الخميس، 30 يوليو 2009

لماذا أنزل القرآن باللغة العربية؟




عثرت خلال بحث على اليوتوب عن مواد تتعلق باللغة العربية على المقطع الموجود أعلاه والذي يتحدث فيه الأستاذ زيد قاسم غزاوي عن الحكمة من إنزال القرآن الكريم باللغة العربية. وتتلخص هذه الحكمة في رأي الأستاذ زيد في كون أن القرآن إذا أنزل بلغة أخرى غير العربية لما استطاع أن يحوي ما فيه من معان ودروس على نفس مستوى القرآن العربي. ويضيف الأستاذ زيد أن القرآن الكريم إذا أنزل بلغة أخرى كالإنجليزية لاستلزم ذلك أن يكون القرآن أكبر من حجمه الحالي حتى يؤدي غرضه، وذلك بسبب أنه لا توجد لغة تضاهي العربية في الإيجاز والفصاحة والبيان.

إن المتمعن في كلام الأستاذ زيد لا يسعه إلا أن يستنتج أن الإعجاز اللغوي الكائن في القرآن يرجع لكونه نزل بالعربية، وهذا أمر ليس بصحيح، وذلك لسبب بسيط وهو أن جميع أوجه الإعجاز في القرآن الكريم تعود لكونه منزلا من عند الله لا من عند بني البشر. فالعرب على فصاحتهم لم يتمكنوا من أن يأتوا بكتاب يقترب من فصاحة القرآن وقوة لغته، فما جاء من عند الله لا يمكن أن يساوي ما عند البشر.

وبالتالي فإننا لا يمكننا أن نجعل من تميز العربية على غيرها من اللغات سببا في إنزال القرآن بها. أضف إلى ذلك أن ما قاله الأستاذ زيد عن أن القرآن الكريم لو نزل بالإنجليزية لكان أكبر من حجمه الحالي ليس بحجة يعتد بها، وذلك لذات السبب المذكور أعلاه وهو أن القرآن إعجاز إلهي، والله سبحانه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فإذا أراد الله أن ينزل القرآن بأية لغة وبأي حجم وبأي مستوى من الفصاحة والبيان لاستطاع ذلك، كيف لا وهو القادر على كل شيء. ولكنه جل جلاله أنزله بالعربية لكون الرسالة بدأت على يد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله عز وجل في بادئ الأمر بين قومه من العرب ثم عمت دعوته العديد من الأقطار الغير عربية في حياته وبعد وفاته. فكيف للقرآن أن ينزل بلغة لا يفهمها أول قوم دعوا إلى الإسلام؟

ولذا فإن علينا أن ندرك أن القرآن الكريم هو من ارتقى باللغة العربية وليس العكس. فالعرب على براعتهم في استخدام لغتهم ذهلوا من لغة القرآن، وذلك لأنه كلام الله الذي لا يمكن أن يضاهيه كلام البشر سواء كان بالعربية أو بغيرها من اللغات قديمها وحديثها.

الجمعة، 17 يوليو 2009

خطورة التبعية على تقدم العلم: تكملة

تحدثت في المقال السابق عن كيف أن التبعية لثقافة بعينها تجبرنا على الدوران في مسار محدد بحيث لا ترى أعيننا من العلوم سوى ما يصدر من تلك الثقافة، مما يضيع علينا فرصة الاستفادة من علوم الثقافات الأخرى وحتى من علومنا. ولكني أريد اليوم الحديث وباختصار عن خطورة التبعية من حيث التضليل الذي يمكن أن تمارسه الثقافة المتبَعة على الثقافة التابعة.

وعلى سبيل المثال فإن الدكتور ريتشارد دول الذي ذكرته في الأسبوع الماضي اتضح بعد وفاته أنه كان يعمل مستشارا لبعض الشركات التي تصنع منتجات كيميائية أشار العديد من العلماء بأنها تضر بالصحة، بينما كان دول يصر على أن تلك المنتجات ليست ذات ضرر بالصحة. وقد صدقه فيما قال الكثيرون ولم يشكك أحد في مصداقيته، كيف لا وهو الرجل الذي ينسب إليه أنه أول من أثبت أن هناك علاقة سببية بين التدخين والسرطان. ولم يكشف المستور إلا بعد أن توفي الرجل وعرف من سجلاته ورسائله أنه كان يعمل مستشارا بأجر لدى الشركات التي كان يدافع عن منتجاتها. فكيف نسلم بصدق كل ما قاله رجل في ذمته قدح؟

وإذا عدنا إلى مسألة التبعية فإنه يجب علينا أن نعي أن التبعية لثقافة بعينها لا تكون في العلم فقط، بل يلزم التبعية للغير انبهارا شديدا بنموذج حياة الآخر وإنتاجه الأدبي والفني بالإضافة إلى التسليم بصحة ما لديه من علم. وحتى يتم كل هذا فإن من الضروري وجود العديد من الهيئات التي تروج لتفوق الدول المتبعة كالمراكز الثقافية ودورات تعليم اللغة والبرامج التلفزيونية. وهذا ما أصبح يسميه البعض في يومنا هذا القوة الناعمة، وهي قوة إغرائية تهيأ شعبا أو أمة ما للانقياد لدولة أو ثقافة معينة دون استخدام الصواريخ والقنابل.

والانبهار بالآخر والإيمان شبه المطلق بعصمته واستحالة التفوق عليه بوعي أو بدون وعي داء قد يصيب الكثير من أفراد أي مجتمع، من كبيرهم وحتى صغيرهم. وخير دليل على ذلك محاولة السادات غزو ليبيا للاستيلاء على نفطها عام ١٩٧٧، وذلك بإيعاز من إسرائيل، إذ ظن السادات أن أمريكا بصفتها حليفة إسرائيل سوف تبارك أو تغض الطرف عن هجومه على ليبيا، وهو ما لم يتم، إذ صدم السادات من ردة فعل أمريكا التي كان يؤمن بها إيمانا عميقا لدرجة أنه طلب منها أن تتكفل بأمنه الشخصي حسب ما ذكره حسن يوسف الشريف نقلا عن هيكل.

وختاما فإن التبعية للغير سواء كانت تسبب في تضييق الأفق كما تبين في المقال السابق أو في تضليل العقول وتغييبها كما رأينا في هذا المقال، فإن عواقبها وخيمة جدا على مجتمعاتنا، حتى وإن لم يتضح ذلك على المدى القصير. ولا يعقل أن يكون التقدم من السهولة بمكان بحيث يتم عن طريق اتباع الآخرين وأخذ علومهم ومعارفهم دون أن يكون لذلك ثمن باهظ يتحتم علينا دفعه. وقد قيل قديما: ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك.

الخميس، 9 يوليو 2009

خطورة التبعية على تقدم العلم

١- في عام ٢٠٠٥ منح الدكتور ريتشارد دول مناصفة مع الدكتور ريتشارد بيتو جائزة الملك فيصل العالمية في الطب تقديرا لأبحاثها عن الأمراض التي يسببها التدخين. وحسب اللجنة المانحة فإن الرجلين كانا "أول من أثبت بشكل قاطع وجود صلة وثيقة بين التدخين وأمراض الأوعية الدموية والسرطان وغيرها، كما كانت بحوثهما حافزاً للعديد من الدراسات الأخرى بما فيها استخدام الأحياء الجزيئية لإثبات العلاقة السببية بين التدخين والسرطان".

والحق يقال أن الرجلين قاما بالعديد من الأبحاث عن الآثار السلبية للتدخين على الصحة، ولكنهما لم يكونا أول من أثبت أن للتدخين ضررا على الصحة، إذ أن الأطباء الألمان أثبتوا في العهد النازي العلاقة بين التدخين وأمراض كالسرطان وغيره. بينما لم يبدأ ريتشارد دول أبحاثه إلا مع بداية الخمسينات.

٢- إذا سألت أي شخص عن نشأة الإنترنت فإنه سوف يخبرك أنه نشأ في أمريكا. وهذا صحيح، ولكن ما لا يعرفه يعرفه الكثيرون، حتى بعض المتخصصين في علوم الحاسوب، أن الصيغ الأساسية، أو البرتوكولات، التي بني على أساسها الإنترنت بشكله الحالي صممت في فرنسا تحت قيادة عالم يسمى لويس بوزان. وقد تلقف هذه الصيغ عالمان أمريكيان وهما روبرت كان وفنت سرف وطوراها حتى نشأ الإنترنت وأصبح فنت سيرف يعرف بأبي الإنترنت. أما بوزان فأصبح إسما قلما يسمع به حتى طلاب علوم الحاسوب. وإذا راجعت موسوعة ويكيبيديا فإنك تجد السيرة الذاتية لسيرف متوفرة في أربع وعشرين لغة، بينما سيرة بوزان متوفرة في ثلاث لغات فقط.


ولست هنا بصدد أن أبخس الأمريكان أو البريطانيين حقهم أو أن أدافع عن الألمان أو الفرنسيين، ولكني أريد أن أنبه إلى أن التبعية للثقافة الأنجلوساكسونية تجعلنا ندور في فلكها حتى لا نرى العالم إلى بعيون أنجلوأمريكية. ولست هنا أتهم الأمريكان أو البريطانيين بالسطو على أعمال غيرهم، فالدكتور دول أشار في أبحاثه إلى جهود الألمان، وروبرت كان وفنت سرف اعترفا بفضل بوزان. ولكن ما اشتهر أن دول كان أول من أثبت ضرر التدخين على الصحة وأن سيرف هو أبو الإنترنت. والناس يتذكرون ما اشتهر وشاع حتى وإن كان جزئا من الحقيقة لا الحقيقة كلها.

ولذلك يتوجب علينا أن نعي أن التبعية لثقافة بعينها تؤدي إلى أن ما يصلنا عن العلم وعن مصادره يمر بفلتر تلك الثقافة التي نتبعها، مما يعيق تقدم العلم لدينا. وإلا فكيف نفسر منح ريتشارد دول جائزة توصف بالعالمية دون التحقق من مسألة أول من أثبت علاقة التدخين بأمراض خطيرة كالسرطان، وذلك بالرغم من توفر المعلومة التي غابت عن اللجنة المانحة للجائزة باللغة الإنجليزية التي كثيرا ما ندور في فلك الثقافة الحاملة لها (راجع كتاب روبرت بروكتر عن محاربة التدخين في ألمانيا النازية والذي صدر عام ١٩٩٩، أي قبل ستة أعوام من منح دول الجائزة).

٣- إذا سألت أي مثقف عن أول من تحدث عن صراع الحضارات لقال لك أنه صامويل هنتنجتون، وهذا هو السائد والشائع في العالم وحتى بين العرب بالرغم أن المفكر المغربي المهدي المنجرة كان أول من تحدث عن الموضوع في كتابه الحرب الحضارية الأولى، وبالرغم أن هنتنجتون ذكر في كتابه كتاب المنجرة عن صراع الحضارات. فهل يجب للمعرفة أن تكتب في هارفارد حتى تصبح ذات قيمة؟

والقضية هنا لست سباقا أو لهثا وراء شرف أو لقب من قبيل أننا أول من اخترع كذا وكذا، ولكن كتاب المنجرة يختلف من حيث الطرح عن كتاب هنتنجتون، فلكل منهجه في معالجة الموضوع. فالمنجرة يركز على أهمية الحوار في الحد من صراع الحضارات، بينما يرى هنتنجتون أن الثقافات الغير غربية سوف تكون مصدر صراع الحضارات. فلماذا ندور في فلك من يرى أننا أحد الأسباب الرئيسية لصراع لا مفر منه ولا نلقي بالا لكتاب المنجرة الذي يقدم أطروحات مختلفة؟

وفي الختام فإنه ينبغي أن نعلم أن التبعية للغرب أو لجزء منه كأمريكا تعيق نهضتنا العلمية وتحجب أبصارنا عن علوم الثقافات الأخرى وحتى عن علومنا كما رأينا في حالة المنجرة. والسبب في هذا ليس فقط الاستعمار الفكري الذي يمارسه ضدنا الغير، وإنما أيضا تبجيلنا للآخرين وانقيادنا لهم، وهو ما سماه مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة القابلية للاستعمار. فالداء فينا قبل أن يكون في الغير، فهل نعي ذلك؟