زارنا قبل عام في الجامعة الإسلامية بماليزيا أحد الأطباء من السودان ليلقي محاضرة عن اللغة العربية. وقد استبشرت خيرا بتلك الزيارة والمحاضرة لأن المحاضر كطبيب وعميد لإحدى كليات الطب في السودان جاء لماليزيا لكي يتحدث عن اللغة العربية وأهمية الرفع من شأنها. وبالرغم من أنني حضرت تلك المحاضرة واستمتعت بالكثير مما قيل فيها، إلا أنني خرجت منها محبطا بعض الشيء، وذلك لأني كنت أنتظر من المحاضر، وهو طبيب، أن يتحدث عن قضية التعريب وتدريس العلوم بالعربية وكيفية استخدام اللغة العربية كلغة علم في الطب وغيره من التخصصات العلمية، خصوصا أن للسودان تجربة ناشئة في تعريب العلوم والتدريس بالعربية. فبدلا من أن يتحدث المحاضر عن تلك التجربة وعن مسألة استخدام العربية لغة للعلم، قضى معظم وقت المحاضرة في الحديث عن جمال اللغة العربية مستعينا بالعديد من أبيات الشعر الرائعة التي تعود إلى العصر الجاهلي وغيره. ولم يتكلم المحاضر عن مسألة تعريب العلوم إلا بعد سؤال سالته إياه أجابه بكلام مقتضب لم يتجاوز الدقيقتين.
لم يشذ محاضرنا المبجل عن القاعدة، فكثير ممن يحاولون الدفاع عن اللغة العربية والرفع من شأنها يكرسون جهودهم للحديث عن مفردات اللغة العربية الجميلة وصيغها المعبرة وماضيها التليد، وهم بذلك يساهمون، دون أن يقصدوا، في ترسيخ فكرة أن اللغة العربية لغة قلب لا لغة عقل. فاللغة الجميلة ذات التعابير المؤثرة تصلح تماما لكتابة الشعر والنثر وبعض من العلوم الإنسانية، ولكنها غالبا لا تصلح للتعبير عن المسائل الرياضية المعقدة، ولا لشرح المعادلات الكيميائية الصعبة، والتي لا تعبر عنها حاليا إلا اللغات الأجنبية من إنجليزية وفرنسية وغيرهما.
ومن هنا يتضح لنا أن استراتيجية الدفاع عن اللغة العربية يجب أن لاتركز على جمالها وبلاغتها بقدر ما يجب أن تركز على قدرتها على استيعاب العلوم بمختلف فروعها شأنها شأن أي لغة أخرى. فليس من الضروري أن يكون تعبير فيزيائي مثل قوة الجذب المركزية بليغا، وليس من المطلوب أن يكون مصطلح الدوال المثلثية جميلا. فهذه المصطلحات تكمن قيمتها في فهم الدارس لها واتفاق العلماء على معناها، وليس في جمالها أو جزالة ألفاظها.
لم يشذ محاضرنا المبجل عن القاعدة، فكثير ممن يحاولون الدفاع عن اللغة العربية والرفع من شأنها يكرسون جهودهم للحديث عن مفردات اللغة العربية الجميلة وصيغها المعبرة وماضيها التليد، وهم بذلك يساهمون، دون أن يقصدوا، في ترسيخ فكرة أن اللغة العربية لغة قلب لا لغة عقل. فاللغة الجميلة ذات التعابير المؤثرة تصلح تماما لكتابة الشعر والنثر وبعض من العلوم الإنسانية، ولكنها غالبا لا تصلح للتعبير عن المسائل الرياضية المعقدة، ولا لشرح المعادلات الكيميائية الصعبة، والتي لا تعبر عنها حاليا إلا اللغات الأجنبية من إنجليزية وفرنسية وغيرهما.
ومن هنا يتضح لنا أن استراتيجية الدفاع عن اللغة العربية يجب أن لاتركز على جمالها وبلاغتها بقدر ما يجب أن تركز على قدرتها على استيعاب العلوم بمختلف فروعها شأنها شأن أي لغة أخرى. فليس من الضروري أن يكون تعبير فيزيائي مثل قوة الجذب المركزية بليغا، وليس من المطلوب أن يكون مصطلح الدوال المثلثية جميلا. فهذه المصطلحات تكمن قيمتها في فهم الدارس لها واتفاق العلماء على معناها، وليس في جمالها أو جزالة ألفاظها.