الأحد، 22 مارس 2009

متى نتعلم لغة أجنبية؟

قرأت منذ فترة دراسة عن تدريس اللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعودية للباحث عبد الله بن سالم الشمري لفت نظري فيها ما أورده الكاتب من عدة حقائق، والتي من أهمها أن الطالب يبدأ بتعلم اللغة الإنجليزية في المرحلة المتوسطة وحتى المرحلة الثانوية، أي لمدة ستة أعوام. ثم يعيد الطالب تعلمها في الجامعة وذلك لأن أغلب ما درسه من لغة إنجليزية في المدرسة يكون قد ذهب أدراج الرياح. ولهذا يتسائل الكاتب عن جدوى تدريس اللغة الإنجليزية لمدة ست سنين إذا كان غالبية الطلاب ينهون دراستهم الثانوية وهم لا يفقهون شيئا من تلك اللغة لدرجة أنهم يحتاجون أن يتعلمونها من جديد.

قد يتكرر السيناريو المذكور أعلاه في الكثير من الدول العربية، ولذا فإن علينا أن نتسائل عن جدوى تدريس اللغات الأجنبية في المدارس، وخصوصا في المرحلة الإبتدائية. وقد يقول البعض أن الطفل يتمكن بطبعه من تعلم أي لغة وإتقانها إذا تلقاها في سن مبكرة، ولذلك وجب تدريسه اللغة الأجنبية مبكرا، وهذا قول فيه لبس كبير، إذ أن الطفل مجبول على تعلم أي لغة وإتقانها إذا كان يعيش في محيط تستخدم فيه تلك اللغة استخداما طبيعيا كما يحدث مع اللغة الأم. أما تدريس اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات الأجنبية فإنه يتم في الغالب في محيط لا يتعدى في أحسن الأحوال جدران الفصل وبطريقة تختلف اختلافا كليا عن الطريقة التي يتعلم بها الطفل أي لغة تعلما مباشرا من المحيط المستخدمة فيه.

إذن، يتضح لنا أن تدريس اللغات الأجنبية في أغلب البلاد العربية يجب أن يؤخر إلى مرحلة ما بعد المدرسة، حيث يجب أن يدرسها من يحتاجها بالفعل ومن سيستخدمها استخداما فعالا ومكثفا بمجرد أن يتعلم أساسياتها. أما من لا حاجة له بلغة أجنبية فإن من الظلم فرضها عليه وإضاعة وقته ومجهوده في تعلم ما لن يستفيد منه. ولكي يتم ذلك يجب على الدول العربية ان تهتم بالتعريب في كل المجالات، وخصوصا التعليم الجامعي والقطاع الخاص، حتى يستطيع الإنسان العادي أن يحيا حياة عادية دون الحاجة إلى استعمال لغة أجنبية.

وهنا يحضرني خبر قرأته عن إحدى الجامعات الحديثة في السعودية والتي أرادت أن توظف مدرسين ومحاضرين في مواد الشريعة وعلوم اللغة العربية مشترطة على الراغبين بالتقديم على تلك الوظائف إتقان اللغة الإنجليزية. فما حاجة مدرس أو محاضر في المواد الشرعية بلغة الأنجلوساكسون؟ ولماذا يجب على شخص سيدرس علوم اللغة العربية في بلد عربي أن يتقن اللغة الإنجليزية؟ الله أعلم.

الثلاثاء، 10 مارس 2009

التعريب والعلوم الطبيعية

جلست في إحدى المرات مع أحد أصدقائي وأخذنا نتناقش في مسألة التعريب والعوائق التي يمكن أن تواجهنا إذا أردنا أن نقوم بها، حيث أوضح صديقي أن تعريب العلوم الإنسانية والآداب أمر سهل لأن تلك العلوم مرتبطة بثقافاتنا وتعنى بأمور تخص مجتمعاتنا. وقد أيدت ما قاله مؤكدا له بأن تلك العلوم، على حد علمي، يتم تدريسها بالعربية في أغلب الدول العربية. ولكن عندها أشار صديقي إلى أن تعريب العلوم الطبيعية من رياضيات وهندسة وطب وعلوم الحاسب الآلي أمر صعب لأن تلك العلوم في الغالب ليست مرتبطة بثقافة معينة، فما يسري على الهندسة في الغرب يسري على الهندسة في الشرق، والفرق الوحيد هو أننا متخلفون عن الدول الرائدة في تلك المجالات بعشرات لا بل بمئات الأعوام. ولهذا السبب فإنه لا مفر من تعلم العلوم الطبيعية باللغات الأجنبية حتى نتمكن من اللحاق بركب الدول المتطورة. فهل هذه سياسة حكيمة؟ هل صحيح اننا لا يمكن ان نتعلم تلك العلوم بالعربية؟

أولا علينا أن ندرك أن التدريس بالعربية لا يعني بالضرورة نبذ اللغات الأجنبية والعلم الذي يكتب بها، حيث يمكننا أن نعلم ونتعلم بالعربية ونقرأ أيضا كتبا بالإنجليزية والألمانية والروسية واليابانية، فلا يجب ان يكون التدريس بالعربية وتعلم اللغات الأجنبية والاستفادة منها أمرين متنافرين، إذ يمكن الجمع بينهما لمن أراد ذلك.

أما ثانيا فإنه ينبغي علينا أن ندرك أن تعريب العلوم الطبيعية أمر ليس بالمستحيل، وذلك لأننا إذا أمعنا النظر في تلك العلوم وجدناها تتكون من جزئين، أولهما نظريات ثابتة نسبيا يسهل تعريبها نظرا لإمكانية حصرها. أما الجزء الآخر من تلك العلوم فهو الجزء التطبيقي وهو الجزء الأكبر والذي يصعب بالفعل ترجمة وتعريب كل ما كتب فيه بسبب كثرة تطبيقات العلوم الطبيعية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نحتاج بالفعل إلى ترجمة كل الأعمال التي وضعت في تطبيقات العلوم الطبيعية؟ هل نحن في حاجة لترجمة جميع ما كتب عن الآلة الكاتبة في عصر الحاسوب؟ ما فائدة معرفة كل ما كتب عن التلغراف في عصر النت والهاتف المحمول؟

إن أي نهضة علمية ننشدها في مجال العلوم الطبيعية تسلتزم أن نعرب النظريات الأساسية في تلك العلوم بالإضافة إلى آخر ما توصل إليه الآخرون من تطبيقات ومن ثم محاولة تطويرها. ومن المهم أيضا ان نعي حقيقة أننا لا نحتاج إلى تعريب كل تلك التطبيقات، إذ يجب علينا أن ننتقي ما يناسبنا ويناسب احتياجاتنا ومن ثم نقوم بتعريبه. وبهذا يتضح لنا أن ما ينبغي علينا تعريبه من العلوم الطبيعية أقل بكثير مما يتوهمه البعض الذين دفعهم اليأس والروح الانهزامية إلى رؤية المعوقات دون الحلول.

وفي الختام فإنه حري بنا أن نكون مدركين لحقيقة مهمة جدا، ألا وهي أن التدريس بالعربية في بلادنا يجب أن يكون أمرا واقعا انطلاقا من حقيقة أن الطالب يتلقى العلم بلغته الأم أفضل بكثير من تلقيه لها بلغة أجنبية لا يمكن أن يحسنها كإحسانه للغته الأم. وللمعلومية فإن أغلب البلدان على وجه المعمورة تدرس العلوم بلغاتها المحلية، وهي سمة غالبة على الدول المتقدمة التي نحلم أن نكون مثلها، فلماذا لا نقلدهم في ذلك؟!