الأحد، 30 أغسطس 2009

بأية لغة نقرأ؟

ناقشني في إحدى المرات أحد الأصدقاء في المقالات التي أكتبها في مدونتي هذه قائلا أنني انتقد في الكثير منها دور اللغات الأجنبية في عالمنا العربي وفي نفس الوقت استفيد من تلك اللغات في مقالاتي عن طريق الاستشهاد بمواد مكتوبة بها. وعلى سبيل المثال فإن مقالي السابق يحتوي على عدة روابط لمواد منشورة على الانترنت اثنان منها باللغة الإنجليزية. فهل ما أقوم به يمكن أن يصنف تحت بند "يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم"؟

أود أن أؤكد أولا أنني لست ضد اللغات الأجنبية وإنما ضد سوء استخدامها في مجتمعاتنا العربية بحجج واهية كالعولمة ومواكبة العصر والانفتاح. إذ أن هناك فرق بين استخدام اللغات الأجنبية للاستفادة من علوم الآخرين وبين تسليط تلك اللغات على ألسنة العباد وثقافاتهم بل وحتى أرزاقهم. وإذا نظرنا إلى المجال الأكاديمي لوجدنا أنه ليس هناك ضير من القراءة باللغات الأجنبية والإفادة من العلوم المكتوبة بغير لغتنا، وذلك شريطة أن يكون للقاريء عقلا يقظا يستطيع أن يميز به الغث من السمين وألا يكون شديد الانبهار بعلوم الآخرين وإنجازاتهم.

كما يجب لمناهج تعليم اللغات الأجنبية، على الأقل في الجامعات، أن تركز على مهارتي القراءة والاستماع أكثر من التركيز على مهارتي التحدث والكتابة باللغات الأجنبية، وذلك لأن النهل من معارف الآخرين يقتضي قراءة علومهم وربما الاستماع إلى محاضراتهم أكثر من التحدث والكتابة بلغاتهم. وكما يذكر بروس شيرود فإنه ليس شرطا للأكاديميين أن يتحدثوا أو يكتبوا بلغة أجنبية ما ليقرؤا بها أو حتى ليترجموا منها إلى لغتهم الأم. (راجع هذا المقال لمزيد من التفصيل).

أما أن يجلس طلاب عرب أمام محاضر عربي في جامعة عربية تمولها حكومة عربية على أرض عربية ويتخاطب المحاضر مع طلابه بلغة أجنبية كثيرا ما تكون مكسرة، بل قل مهشمة، ومخلوطة بالعربية على نحو تهجيني عجيب، فإن هذا أمر يصعب قبوله وإن ساق المدافعون عنه من الحجج ما ساقوا.

والعارف بحال أمتنا العربية يتعجب من ذلك الاهتمام الشديد باللغات الأجنبية، وكأننا نعشق القراءة والعلم لدرجة أن ما هو متوفر بين أيدينا باللغة العربية لا يكفينا. (راجع هذا الخبر عن قرار المركز الثقافي البريطاني إغلاق مكتبته بالقاهرة لضعف الإقبال عليها). وهنا اختتم هذا المقال بما ذكره الدكتور محمد هيثم الخياط في مقال نشر في العدد الثالث عشر من مجلة تعريب الطب بعنوان "التعريب: حديث مستطرد"، والذي يقول فيه:

كم من الأطباء الخريجين يتابع العلم بعد تخرجه في مجلة أجنبية؟ نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال بيقين, بناء على المعطيات المتوافرة لدينا في منظمة الصحة العالمية, فنقول إن نسبتهم المئوية لاتتعدى خمساً في المئة في أحسن الظروف. ثم يقولون لنا إننا نعلم الطالب بالإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية حتى يستطيع متابعة الركب العلمي بعد تخرجه... فأي ركب هذا؟

الاثنين، 17 أغسطس 2009

جامعاتنا والتصانيف العالمية

منذ أن بدأت التصنيفات العالمية للجامعات بالصدور قبل عدة سنوات والكثير من التربويين العرب يندبون حظهم لعدم ظهور أسماء الجامعات العربية بين أسماء مثل هارفرد وأكسفورد، وكأننا قد اكتشفنا فجأة أن التعليم الجامعي في بلداننا قد انحدر مستواه بشكل مريع. وقد نتج عن ذلك تعالي العديد من الأصوات من قبل المسؤولين وغيرهم مطالبة برفع مستوى جامعاتنا علها تتمكن من دخول تلك التصنيفات ولو ضمن قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا ما كانت المعايير التي تصنف على أساسها الجامعات حول العالم هي ذات المعايير التي يجب تبنيها للحكم على مدى تلبية جامعاتنا لاحتياجاتنا التنموية المحلية. وللإيضاح دعونا ننظر في النقاط التالية:

١- إذا دققنا النظر في معايير تصنيف شانغهاي الشهير مثلا لوجدنا أنها متحيزة لمصلحة العلوم الطبيعية. فعشرون بالمائة من الدرجة المعطاة لكل جامعة مخصصة لمعرفة مدى نجاح هيئة أعضاء التدريس بجامعة ما في نشر أبحاثهم في مجلتي "ساينس" الأمريكية و"نيتشر" البريطانية. وكلتا المجلتين تنشران أبحاثا في العلوم الطبيعية بصورة أساسية. ولكن كما نعرف فإن نهضة الأمم المتأخرة مثلنا تعتمد بشكل رئيسي على الأفكار التي تنبع من علوم الدين والعلوم الاجتماعية والإنسانية. أما حذق العلوم الطبيعية فإنه عادة ما يتم في مرحلة متقدمة من الحضارة تحل بعد النهضة وليس قبلها. ولست أدعو هنا لإهمال العلوم الطبيعية في بلداننا، ولكنني أعتقد أنها لا يجب أن تعطى الأولوية القصوى كسبيل للنهضة والتقدم.

٢- تعتبر البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية ومدى استشهاد الآخرين بها من أهم المعايير التي تصنف حسبها الجامعات، ولكن المشكلة التي تواجه العديد من الجامعات الموجودة في الدول الغير ناطقة بالإنجليزية هي أن القائمين على تصنيف الجامعات يرفعون إلى درجة العالمية ما هو منشور بالإنجليزية ويتجاهلون ما سواه بغض النظر عن جودته. وإذا ما نظرنا إلى أغلب التصانيف نجد أن الجامعات الأمريكية والبريطانية تسيطر على المراكز الأولى فيها، وقد يكون هذا أمرا مفهوما بالنسبة لأمريكا كمركز ضخم للعلوم، ولكن وجود إحدى عشر جامعة بريطانية مقابل ست جامعات ألمانية وثلاث فرنسية في تصنيف شانغهاي الأخير أمر يتطلب مناقشة دور اللغة في تضخيم دور جامعات الدول الناطقة بالإنجليزية.

٣- تركز أهم التصنيفات العالمية للجامعات على البحث العلمي الذي يقوم به أعضاء هيئة التدريس في كل جامعة، مما يجعل التصنيف متحيزا لصالح الجامعات البحثية على حساب الجامعات التي تركز على التدريس. وإذا نظرنا إلى بلد مثل فرنسا فإننا نجد أن كمية لا يستهان بها من البحوث يتم القيام بها في مراكز البحث وليس في الجامعات كما هو مذكور في هذه الدراسة (صفحة ٣٤). فهل هذا يعني أن التعليم الجامعي في فرنسا ليس جيدا؟

وإذا عدنا إلى جامعاتنا العربية فإننا نجد الكثير منها في وضع مزر بغض النظر عن توفر المال من عدمه، مما لا يؤهلها لاحتلال مراكز متقدمة في أي تصنيف سواء كانت معاييره تراعي الفروقات بين الدول أم لا. وبالتالي فإني هنا لست بصدد تقديم الأعذار لتأخر جامعاتنا وتدني مستواها، ولكن من المهم أن ندرك أن دور جامعتنا ودور العلم بصورة عامة في بلداننا يجب أن يتركز حول خدمة مجتمعاتنا قبل استيفاء شروط التصنيفات كما يحاول البعض أن يفعل.