الأحد، 21 ديسمبر 2008

كيف نستفيد من اللغة الإنجليزية؟

كثيرا ما أدخل في مناقشات وجدال لاينتهي مع العديد من أصدقائي حول أهمية اللغة الإنجليزية، حيث ينبهني الكثير منهم إلى أن اللغة الإنجليزية لغة العلم. فعل هذا أمر صحيح؟

أود أن أؤكد أولا أنني لست ضد اللغة الإنجليزية، فهي لغة أستفيد منها أنا والكثيرون غيري، وخصوصا في المجال العلمي، وهي بحق لغة علم، ولكنها ليست لغة العلم كله، فهناك الكثير من العلم النافع المنشور بلغات أخرى كالروسية و اليابانية والألمانية والفرنسية والصينية والأسبانية والعربية والبرتغالية والفارسية. ولا يجب على طالب العلم معرفة وإتقان كل تلك اللغات، ولكن كل حسب تخصصه، فالألمانية والفرنسية مهمتان في الفلسفة، والروسية في علوم الفضاء، والصينية في الطب الصيني التقليدي، والعربية في علوم الشريعة الإسلامية المختلفة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيفية الاستفادة من الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية التي تحوي علما نافعا. هل يمكننا التدريس بلغة أجنبية كاللغة الإنجليزية في جامعاتنا من الاستفادة من العلم الغزير المنشور بتلك اللغة؟

هنا ينبغي علينا أن نفرق بين ثلاثة أمور رئيسية في عملية التعليم، ألا وهي:
١- تعلم شخص بمفرده لعلم من العلوم.
٢-تعليم هذا العلم للغير.
٣- إتيان هذا الشخص بشيء جديد في ذلك العلم عن طريق الكتابة والتأليف.

إذا نظرنا إلى تلك المراحل الثلاثة لوجدنا أن الاستفادة من اللغات الأجنبية تكون في المرحلة الأولى فقط، حيث يستخدمها طالب العلم للنهل من العلم الموجود بتلك اللغات، والذي غالبا ما لايكون متوفرا في لغته الأم. وبهذا تكون اللغة الأجنبية مصدرا مفيدا للعلم بحيث يقوم الدارس بأخذ الصالح الموجود في ذلك المصدر وترك الطالح.

أما المرحلتين الثانية والثالثة فهما مرحلتا إنتاج للعلم، حيث يقوم المدرس في المرحلة الثانية بإيصال معلومات بعينها إلى طلاب العلم عن طريق إعادة صياغة واعية للعلم الذي اكتسبه من المصادر المكتوبة باللغة الأم وباللغات الأجنبية. كما تتم في المرحلة الثالثة عملية إنتاج شيء جديد يضاف إلى العلم الموجود مسبقا. وفي هاتين المرحلتين يجب علينا أن نستخدم لغتنا الأم لأنها تمكننا من إيصال المعلومات بصورة أوضح وأدق ولأننا أقدر على الكتابة والتأليف بها من القيام بذلك بلغة أجنبية. وخير مثال على ذلك المستشرقون الأوروبيون الذين درسوا الحضارات الشرقية مستخدمين لغات كالعربية والفارسية والهندية والتركية والصينية وغيرها كأدوات تمكنهم من فهم ثقافات الشرق. فأعمال هؤلاء المستشرقين كتبت بالألمانية والفرنسية والإنجليزية والهولندية والإيطالية وغيرها من لغات أوروبا حتى يتمكن أولئك المستشرقون من إيصال المعلومات إلى طلاب العلم، ولأن المستشرقين كانوا يعون تماما أن الكتابة باللغة الأم أسهل وأكثر فعالية من الكتابة باللغة الأجنبية، حتى أن دارسي اللغة العربية منهم كتبوا عن اللغة العربية ونحوها وصرفها بلغاتهم لا باللغة العربية.

ومن هنا نجد أن السياسات التعليمية التي تفرض التعليم بلغة أجنبية سياسات مخالفة للمنطق الذي يملي علينا أن نتقن لغة أجنبية لكي ننهل من العلم المكتوب بها، لا لكي ندرس ونكتب بها. ولذا فإن الاستفادة من اللغة الإنجليزية أو غيرها من لغات العلم الأجنبية لاتتأتى من استعمالنا لها في مهارتي الكلام والكتابة بقدر ما تتأتى من استخدامنا لها في مهارتي القراءة والاستماع بحيث يتمكن الدارس من قراءة كتاب بالإنجليزية أو سماع محاضرة ألقيت بها.

السبت، 15 نوفمبر 2008

و إنا له لحافظون

هل اللغة العربية في خطر؟ وهل يمكن أن تواجه خطر الاندثار؟

لاحظت من خلال تصفحي بعض الكتابات عن اللغة العربية أن الكثيرين يجيبون عن التساؤل المطروح أعلاه بالقول أن اللغة العربية لايمكن أن تندثر لأن الله سبحانه وتعالى تعهد بحفظها قائلا: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر: ٩). ويعتقد المستشهد بتلك الآية بأنه قد حل المشكلة وأجاب على السؤال المذكور أعلاه إجابة شافية وافية تروي ظمأ كل المتناقشين والمهتمين بشأن لغة الضاد.

لكننا إذا بحثنا عن تفسير تلك الآية في كتب التفسير المختلفة قديمها وحديثها لوجدنا أنها ليست لها صلة باللغة العربية، فلم يذكر لا الطبري ولا سيد قطب مثلا في تفسيريهما لتلك الآية شيئا عن اللغة العربية. فالذكر هو القرآن وليس اللغة العربية. فالقرآن موجود وسيظل موجودا ولاخلاف على ذلك، أما أدوات فهمه وتفسيره فهي بأيدينا، إما أن نستعملها ونطورها فنفهم القرآن والدين، وإما أن نتركها ونهملها فنزداد جهلا على جهلنا.

وحتى وإن سلمنا جدلا أن حفظ القرآن يقتضي حفظ اللغة العربية، فإن علينا أن ندرك أن عدد المفردات المستخدمة في القرآن ليس إلا جزءً يسيرا من مجموع مفردات اللغة العربية. وبالتالي فإن الحفاظ على اللغة العربية، أو على غالبية مفرادتها الموجودة خارج القرآن الكريم، مهمة ملقاة على عاتقنا نحن، ولن يقوم بها غيرنا، فالله عز وجل خلقنا وأوجد لنا سننا كونية إذا التزمنا بها مضينا إلى الأمام وإذا خالفناها عدنا إلى الوراء وأصبحنا كغثاء السيل، لا حول لنا ولا قوة، يسيرنا الآخرون بلغاتهم وثقافاتهم وأموالهم.

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

العربية بين عاميات مظلومة وأجنبيات بلا رقيب

كثيرا ما يحذر حماة اللغة العربية من خطر اللهجات العامية على اللغة العربية الفصحى، حيث تعقد المؤتمرات وتكتب المجلدات ويحتد النقاش في الإذاعة والتلفزيون حول الموت البطيء الذي تواجهه اللغة العربية الفصحى جراء الاستخدام المتزايد للهجات العامية من قبل المذيعين والمذيعات على الفضائيات المنتشرة في العالم العربي. ففي حلقة من برنامج الاتجاه المعاكس بثت في شهر أبريل الماضي ناقش ضيفا البرنامج الأخطار التي تواجه اللغة العربية، واحتد النقاش حول المسألة الفصحى والعامية، وأضاع الضيفان جل وقت البرنامج في هذا الجدال العقيم حول الموضوع دون التوصل لأي اتفاق، ولم يعيرا موضوع خطر اللغات الأجنبية على العربية اهتماما مماثلا لقضية العاميات، حيث لم يناقشا خطر لغات كالانجليزية والفرنسية إلا لبضعة دقائق بدا فيها للمشاهد أن خطر العاميات يضاهي خطر الأجنبيات.

إن هذا الخلط العجيب الذي يقع فيه كثير من المدافعين عن اللغة العربية لأمر يدعو إلى الحيرة، فكيف لخطر القريب أن يضاهي خطر الغريب. فاللهجات العامية على اختلافها لم تفرض علينا من بريطانيا أو أمريكا أو فرنسا، ولكنها نشأت على أراضينا وترعرعت بين أكنافنا. كما أنها تحوي العديد من الدرر النفيسة كالأمثال الشعبية والشعر العامي. وهي وإن احتوت على بعض الكلمات الغير مستخدمة في الفصحى إلا أن غالبيتها الساحقة تظل عربية مع اختلاف في بعض الأوزان والتراكيب والتعابير.

إن مشكلة اللهجات العامية مشكلة في مستوى التعليم المتردي الذي لا يمكن الطالب من اكتساب القدر الكافي من اللغة الفصحى مما يضطره لأن يلجأ لعاميته للتعبير عن نفسه، كما أنها مشكلة أمة لاتقرأ، مما يسبب حرمانا لغويا يعاني منه الجيل الحالي. وإلا فكيف استطاع أمير الشعراء أحمد شوقي أن يبرع في نظم الشعر بالفصحى بالرغم أنها لم تكن لهجة البيئة التي نشأ بها؟

ولذا فإن على من يريد الدفاع عن اللغة العربية أن يصوب أسلحته تجاه اللغات الأجنبية التي تغزو الدول العربية، وذلك لأنها هي الخطر الحقيقي الذي يحدق بالعربية والذي من أجله يجب أن تعقد المؤتمرات والندوات، فالعاميات بعكس الأجنبيات من الصعب أن تحل محل الفصحى، فلا نكاد نجد كتابات جادة بلهجة عامية، ولكننا نجد كتابات جادة بالإنجليزية والفرنسية. وليس هناك من كتاب يدرس في الجامعات مكتوب بالشامية أو المصرية أو المغربية، ولكن الكتب الأكاديمية الإنجليزية والفرنسية تفرض على طلابنا وتظل عبئا ثقيلا لا تقوى على حمله الغالبية العظمى منهم. ومن هنا ينبغي، على الأقل من باب "أولى لك فأولى"، للتحذيرات والصيحات التي يطلقها الغيورون على العربية أن توجه صوب اللغات الأجنبية، فلا يعقل أن تكون عاميات مكملة للفصحى كأجنبيات مدمرة لها.

الاثنين، 4 أغسطس 2008

لغتنا الجميلة؟

زارنا قبل عام في الجامعة الإسلامية بماليزيا أحد الأطباء من السودان ليلقي محاضرة عن اللغة العربية. وقد استبشرت خيرا بتلك الزيارة والمحاضرة لأن المحاضر كطبيب وعميد لإحدى كليات الطب في السودان جاء لماليزيا لكي يتحدث عن اللغة العربية وأهمية الرفع من شأنها. وبالرغم من أنني حضرت تلك المحاضرة واستمتعت بالكثير مما قيل فيها، إلا أنني خرجت منها محبطا بعض الشيء، وذلك لأني كنت أنتظر من المحاضر، وهو طبيب، أن يتحدث عن قضية التعريب وتدريس العلوم بالعربية وكيفية استخدام اللغة العربية كلغة علم في الطب وغيره من التخصصات العلمية، خصوصا أن للسودان تجربة ناشئة في تعريب العلوم والتدريس بالعربية. فبدلا من أن يتحدث المحاضر عن تلك التجربة وعن مسألة استخدام العربية لغة للعلم، قضى معظم وقت المحاضرة في الحديث عن جمال اللغة العربية مستعينا بالعديد من أبيات الشعر الرائعة التي تعود إلى العصر الجاهلي وغيره. ولم يتكلم المحاضر عن مسألة تعريب العلوم إلا بعد سؤال سالته إياه أجابه بكلام مقتضب لم يتجاوز الدقيقتين.

لم يشذ محاضرنا المبجل عن القاعدة، فكثير ممن يحاولون الدفاع عن اللغة العربية والرفع من شأنها يكرسون جهودهم للحديث عن مفردات اللغة العربية الجميلة وصيغها المعبرة وماضيها التليد، وهم بذلك يساهمون، دون أن يقصدوا، في ترسيخ فكرة أن اللغة العربية لغة قلب لا لغة عقل. فاللغة الجميلة ذات التعابير المؤثرة تصلح تماما لكتابة الشعر والنثر وبعض من العلوم الإنسانية، ولكنها غالبا لا تصلح للتعبير عن المسائل الرياضية المعقدة، ولا لشرح المعادلات الكيميائية الصعبة، والتي لا تعبر عنها حاليا إلا اللغات الأجنبية من إنجليزية وفرنسية وغيرهما.

ومن هنا يتضح لنا أن استراتيجية الدفاع عن اللغة العربية يجب أن لاتركز على جمالها وبلاغتها بقدر ما يجب أن تركز على قدرتها على استيعاب العلوم بمختلف فروعها شأنها شأن أي لغة أخرى. فليس من الضروري أن يكون تعبير فيزيائي مثل قوة الجذب المركزية بليغا، وليس من المطلوب أن يكون مصطلح الدوال المثلثية جميلا. فهذه المصطلحات تكمن قيمتها في فهم الدارس لها واتفاق العلماء على معناها، وليس في جمالها أو جزالة ألفاظها.