الأربعاء، 24 يونيو 2009

عالم العربية الفسيح

عندما يتحدث المتخصصون في شؤون اللغة العربية عنها فإنهم كثيرا ما يمتدحون خصائصها اللغوية مثل الاشتقاق والنحت والتركيب ومثل قواعها الدقيقة التي تساهم في تحديد معنى ودلالات الجمل ومثل عدد مفرداتها الضخم. ولكن كل هذه الخصائص سمات داخلية للغة العربية تميزها عن غيرها من اللغات دون أن تكون العامل الرئيسي في نشرها أو فرضها. أما المقومات الأساسية التي تميز لغة عن أخرى فإنها في أغلب الأحيان مرتبطة بالوزن السياسي والاقتصادي والعسكري وبالموقع الجغرافي والإرث التاريخي وبالناتج العلمي والفكري للمتحدثين بتلك اللغة، إلى غير ذلك من المقومات. وليس شرطا أن تتوفر كل هذه المقومات حتى تصبح لغة ما ذات قيمة، إذ يكفي أن يكون بعضها موجوداً للتمكين للغة ما حسب الظروف.

واللغة العربية اليوم ينقصها بعض من المقومات المذكورة أعلاه، ولكننا إذا نظرنا إلى العالم العربي لوجدنا أن عدد الناطقين بالعربية من أهم العوامل التي يمكن أن تساعد في التمكين لها، فعدد المتحدثين بها كلغة أم يقارب الثلاثمائة مليون نسمة موزعون على مساحة شاسعة من الأرض تمتد من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي. ويشكل هذا العدد أحد العوامل الرئيسية التي تجعل من اللغة العربية واحدة من اللغات العشر الأوائل على مستوى العالم، وذلك بغض النظر عن المعايير المستخدمة في تحديد أهمية كل لغة.

ويعتبر عدد الناطقين بالعربية عاملا مهما في فرض الحد الأدنى من التعريب في الدول العربية، وذلك لأن ذلك العدد الضخم يمنح أي منتج يحتوي على جانب لغوي سوقا واسعة تزيد من فرصة انتشاره. ولقد شاهدنا في التاريخ الحديث أدلة على ذلك، فدول الخليج استعانت وما زالت تستعين بأساتذة عرب من مصر وغيرها من الدول العربية. وعندما كانت حركة التعريب في أوجها في الجزائر بعد الاستقلال كان هناك دور مهم للدول العربية الأخرى في المساهمة في تعريب الإدارة الجزائرية. وفي عصرنا الحديث نرى كيف أن قناة مثل الجزيرة القطرية تستقطب المشاهدين من جميع الأنحاء. وعندما توفي الأديب السوداني الطيب صالح في هذا العام جرى تأبينه في حفلات أقيمت في العديد من الدول العربية، من عمان إلى موريتانيا.

ومن هنا يجب علينا أن ندرك أن العروبة كما يؤكد محمد جابر الأنصاري ليست أيديولوجيا، وإنما هي واقع حي عشناه في الماضي ونعيشه في الحاضر ويجب أن نستفيد منه في المستقبل. فوحدة اللغة بين أبناء العربية على اختلاف لهجاتهم تشكل طاقة كامنة يجب تفجيرها عن طريق التعريب الشامل لجميع مناحي الحياة، ولا سيما في التعليم العالي بجميع تخصصاته وفي القطاع الاقتصادي. ولوسائل الاتصال في هذا العصر دور مهم جدا في تحقيق ذلك الهدف، إذ أنه من الأولى أن نستغل تلك الوسائل للانفتاح على بعضنا قبل الانفتاح على الآخرين. وأي كتاب مكتوب بالعربية في أي مجال من المجالات يمكن أن يقرأ من قبل عدد كبير من الناطقين بالعربية. فإذا كانت السوق قائمة والزبائن كثر، فلماذا التردد؟

ليست هناك تعليقات: