منذ أن بدأت التصنيفات العالمية للجامعات بالصدور قبل عدة سنوات والكثير من التربويين العرب يندبون حظهم لعدم ظهور أسماء الجامعات العربية بين أسماء مثل هارفرد وأكسفورد، وكأننا قد اكتشفنا فجأة أن التعليم الجامعي في بلداننا قد انحدر مستواه بشكل مريع. وقد نتج عن ذلك تعالي العديد من الأصوات من قبل المسؤولين وغيرهم مطالبة برفع مستوى جامعاتنا علها تتمكن من دخول تلك التصنيفات ولو ضمن قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا ما كانت المعايير التي تصنف على أساسها الجامعات حول العالم هي ذات المعايير التي يجب تبنيها للحكم على مدى تلبية جامعاتنا لاحتياجاتنا التنموية المحلية. وللإيضاح دعونا ننظر في النقاط التالية:
١- إذا دققنا النظر في معايير تصنيف شانغهاي الشهير مثلا لوجدنا أنها متحيزة لمصلحة العلوم الطبيعية. فعشرون بالمائة من الدرجة المعطاة لكل جامعة مخصصة لمعرفة مدى نجاح هيئة أعضاء التدريس بجامعة ما في نشر أبحاثهم في مجلتي "ساينس" الأمريكية و"نيتشر" البريطانية. وكلتا المجلتين تنشران أبحاثا في العلوم الطبيعية بصورة أساسية. ولكن كما نعرف فإن نهضة الأمم المتأخرة مثلنا تعتمد بشكل رئيسي على الأفكار التي تنبع من علوم الدين والعلوم الاجتماعية والإنسانية. أما حذق العلوم الطبيعية فإنه عادة ما يتم في مرحلة متقدمة من الحضارة تحل بعد النهضة وليس قبلها. ولست أدعو هنا لإهمال العلوم الطبيعية في بلداننا، ولكنني أعتقد أنها لا يجب أن تعطى الأولوية القصوى كسبيل للنهضة والتقدم.
٢- تعتبر البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية ومدى استشهاد الآخرين بها من أهم المعايير التي تصنف حسبها الجامعات، ولكن المشكلة التي تواجه العديد من الجامعات الموجودة في الدول الغير ناطقة بالإنجليزية هي أن القائمين على تصنيف الجامعات يرفعون إلى درجة العالمية ما هو منشور بالإنجليزية ويتجاهلون ما سواه بغض النظر عن جودته. وإذا ما نظرنا إلى أغلب التصانيف نجد أن الجامعات الأمريكية والبريطانية تسيطر على المراكز الأولى فيها، وقد يكون هذا أمرا مفهوما بالنسبة لأمريكا كمركز ضخم للعلوم، ولكن وجود إحدى عشر جامعة بريطانية مقابل ست جامعات ألمانية وثلاث فرنسية في تصنيف شانغهاي الأخير أمر يتطلب مناقشة دور اللغة في تضخيم دور جامعات الدول الناطقة بالإنجليزية.
٣- تركز أهم التصنيفات العالمية للجامعات على البحث العلمي الذي يقوم به أعضاء هيئة التدريس في كل جامعة، مما يجعل التصنيف متحيزا لصالح الجامعات البحثية على حساب الجامعات التي تركز على التدريس. وإذا نظرنا إلى بلد مثل فرنسا فإننا نجد أن كمية لا يستهان بها من البحوث يتم القيام بها في مراكز البحث وليس في الجامعات كما هو مذكور في هذه الدراسة (صفحة ٣٤). فهل هذا يعني أن التعليم الجامعي في فرنسا ليس جيدا؟
وإذا عدنا إلى جامعاتنا العربية فإننا نجد الكثير منها في وضع مزر بغض النظر عن توفر المال من عدمه، مما لا يؤهلها لاحتلال مراكز متقدمة في أي تصنيف سواء كانت معاييره تراعي الفروقات بين الدول أم لا. وبالتالي فإني هنا لست بصدد تقديم الأعذار لتأخر جامعاتنا وتدني مستواها، ولكن من المهم أن ندرك أن دور جامعتنا ودور العلم بصورة عامة في بلداننا يجب أن يتركز حول خدمة مجتمعاتنا قبل استيفاء شروط التصنيفات كما يحاول البعض أن يفعل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا ما كانت المعايير التي تصنف على أساسها الجامعات حول العالم هي ذات المعايير التي يجب تبنيها للحكم على مدى تلبية جامعاتنا لاحتياجاتنا التنموية المحلية. وللإيضاح دعونا ننظر في النقاط التالية:
١- إذا دققنا النظر في معايير تصنيف شانغهاي الشهير مثلا لوجدنا أنها متحيزة لمصلحة العلوم الطبيعية. فعشرون بالمائة من الدرجة المعطاة لكل جامعة مخصصة لمعرفة مدى نجاح هيئة أعضاء التدريس بجامعة ما في نشر أبحاثهم في مجلتي "ساينس" الأمريكية و"نيتشر" البريطانية. وكلتا المجلتين تنشران أبحاثا في العلوم الطبيعية بصورة أساسية. ولكن كما نعرف فإن نهضة الأمم المتأخرة مثلنا تعتمد بشكل رئيسي على الأفكار التي تنبع من علوم الدين والعلوم الاجتماعية والإنسانية. أما حذق العلوم الطبيعية فإنه عادة ما يتم في مرحلة متقدمة من الحضارة تحل بعد النهضة وليس قبلها. ولست أدعو هنا لإهمال العلوم الطبيعية في بلداننا، ولكنني أعتقد أنها لا يجب أن تعطى الأولوية القصوى كسبيل للنهضة والتقدم.
٢- تعتبر البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية ومدى استشهاد الآخرين بها من أهم المعايير التي تصنف حسبها الجامعات، ولكن المشكلة التي تواجه العديد من الجامعات الموجودة في الدول الغير ناطقة بالإنجليزية هي أن القائمين على تصنيف الجامعات يرفعون إلى درجة العالمية ما هو منشور بالإنجليزية ويتجاهلون ما سواه بغض النظر عن جودته. وإذا ما نظرنا إلى أغلب التصانيف نجد أن الجامعات الأمريكية والبريطانية تسيطر على المراكز الأولى فيها، وقد يكون هذا أمرا مفهوما بالنسبة لأمريكا كمركز ضخم للعلوم، ولكن وجود إحدى عشر جامعة بريطانية مقابل ست جامعات ألمانية وثلاث فرنسية في تصنيف شانغهاي الأخير أمر يتطلب مناقشة دور اللغة في تضخيم دور جامعات الدول الناطقة بالإنجليزية.
٣- تركز أهم التصنيفات العالمية للجامعات على البحث العلمي الذي يقوم به أعضاء هيئة التدريس في كل جامعة، مما يجعل التصنيف متحيزا لصالح الجامعات البحثية على حساب الجامعات التي تركز على التدريس. وإذا نظرنا إلى بلد مثل فرنسا فإننا نجد أن كمية لا يستهان بها من البحوث يتم القيام بها في مراكز البحث وليس في الجامعات كما هو مذكور في هذه الدراسة (صفحة ٣٤). فهل هذا يعني أن التعليم الجامعي في فرنسا ليس جيدا؟
وإذا عدنا إلى جامعاتنا العربية فإننا نجد الكثير منها في وضع مزر بغض النظر عن توفر المال من عدمه، مما لا يؤهلها لاحتلال مراكز متقدمة في أي تصنيف سواء كانت معاييره تراعي الفروقات بين الدول أم لا. وبالتالي فإني هنا لست بصدد تقديم الأعذار لتأخر جامعاتنا وتدني مستواها، ولكن من المهم أن ندرك أن دور جامعتنا ودور العلم بصورة عامة في بلداننا يجب أن يتركز حول خدمة مجتمعاتنا قبل استيفاء شروط التصنيفات كما يحاول البعض أن يفعل.
هناك 6 تعليقات:
أود أن أحييك أخي الكريم على هذا المقال البديع الجمال.. فتحليلك للتصانيف الدولية مثل تصنيف شنغهاي، تحليل عميق، ينم عن وعيك لأساليب البروباغندا الفكرية التي تمارس على كثير من الامم...
وهذا لا يعني على الاطلاق أننا كعرب لسنا مقصرين في النهوض بمؤسساتنا التعليمية، ولكن مثل تلك التصنيفات تعمق الشعور بالاحباط الذي سينتاب القائمين على اية مؤسسة تعليمية غير ناطقة بال(الأمريكية).. فبدل أن ينهضوا ويبنوا، ستكون النظرة الانهزامية أمام عظمة جامعات أمريكا حليفتهم في كل سكنة أو يقظة!
شكرا جزيلا أخي مسلم على تعليقك. وإني لأتفق معك على أن العديد من المؤسسات التي تدعي أنها دولية أو عالمية ليست سوى واجهات خادعة تنفذ أجندات ليست بالضرورة أنها خفية، ولكنها تغيب عن أذهان الكثيرين منا ممن لا يتفكرون ولا حتى يتعظون بأخطاء الماضي، وممن تجعلهم روحهم الانهزامية تقدس الأمم المتقدمة وتؤمن بعصمتها واستحالة التفوق عليها أو حتى مضاهتها
مع جزبل الشكر
السلام عليكم
اخى الكريم
جزاكم الله خيرا على المقال والاهتمام
الاهتمام بعلوم الدين ليست مجالا للتخلف
بل على العكس كان عاملا مهما للحضاره والتقدم
وقد راينا علماء كبار فى الحضاره الاسلاميه متفقهين فى الدين وفى نفس الوقت هم علماء فى فروع اخرى مثل الطب والفلك
شكرا جزيلا أخي محمد على تعليقك
أتفق معك فيما قلت وهذا ما كنت أعنيه حين ذكرت أن "نهضة الأمم المتأخرة مثلنا تعتمد بشكل رئيسي على الأفكار التي تنبع من الفلسفة وعلوم الدين والعلوم الاجتماعية والإنسانية" وأن العلوم الطبيعية "لا يجب أن تعطى الأولوية القصوى كسبيل للنهضة والتقدم"، إذ أن التقدم فيها يأتي في مرحلة لاحقة.
مع خالص تقديري
يعطيك العافية أخي الكريم على الموضوع الرائع، وبالفعل فنحن نحتاج لأن نقوم أداء جامعاتنا عن طريق تقييمها وحصولها على مراتب متقدمة في التصنيفات الأكاديمية وتبقى أنها أحد معايير الوصول لدرجات شبه الكمال
تحياتي لك
عبدالرحمن عبدالله الخنيفر
جزاك الله خيرا أخي عبد الرحمن على تعليقك.
في الحقيقة أردت من خلال المقال أن أظهر أن اللهث وراء التصانيف العالمية لن يساعدنا بالضرورة على تحسين مستوى جامعتنا بصورة تمكن تلك الجامعات من خدمة مجتمعاتها. فالمتخلف يحتاج أحيانا إلى حلول تخلتف عن حلول المتقدم، لأن مشاكله كثيرا ما تكون ذات طبيعة مختلفة.
وشكرا.
إرسال تعليق