ما انفك الإسلام منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى نبيه بالهدى ودين الحق عاملا هاما يؤثر في العديد من نواحي حياة المسلمين، وقد امتد أثره إلى عدة مجالات كان ولايزال من أهمها اللغة، حيث تغير وجه اللغة العربية بفضل الرسالة المحمدية التي أعادت تشكيلها وبثت فيها روحا لم تعهدها في عصر الجاهلية.
ولم يقف تأثير الإسلام عند اللغة العربية، وإنما تخطاه إلى لغات العديد من الشعوب التي اعتنقت الإسلام كالفارسية والتركية والهوساوية والأردية. كما أن ذلك التأثير لم يتوقف عند حدود اللغة الفصحى مكتوبة كانت أم محكية، وإنما تعداه إلى اللهجات الدارجة حتى أضحى كلامنا فيه العديد من الاستعارات المستمدة من مصادر الإسلام. ومثال ذلك ما ذكره الأستاذ حسن الساعاتي في بحث حول أثر القرآن في حياة المصريين، إذ يقول:
واقتباس المصريين من لغة القرآن فى حياتهم الاقتصادية أمر يستحق الذكر ، فهناك معلقات تحمل آيات قرآنية يعلقها أصحاب بعض المهن في مجالهم . فيعلق الخياط قوله تعالى " وكل شيء فصلناه تفصيلا"(الإسراء:١٢)، ويعلق الحلاق من قوله تعالى : "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" (المطففين: ٢٤) أو "وزيناها للناظرين" (الحجر:١٦)، ويعلق الحداد: " وألنا له الحديد " (سبأ:١٠)، ويعلق صاحب المطعم: " كلوا واشربوا هنيئا" (الطور : ١٩)، ويعلق السماك: "ومن كلٍ تأكلون لحما طريا " (فاطر :١٢)، ويعلق المأذون: "وزوجناهم بحور عين" (الطور : ٢٠)، ويعلق الشربتلي: " وسقاهم ربهم شرابا طهورا" (الإنسان:٢١).
وقد يرى البعض في هذه الأمثلة ضربا من ضروب استغلال الدين، لكنها حتى وإن كانت كذلك فإنها تظهر مدى عمق أثر الإسلام وتجذره في حياتنا من الناحية اللغوية.
لكن هناك جانب آخر من تأثير اللغة على الدين له من الأهمية ما يفوق ما ذكر أعلاه، وهو ما يتعلق بالثقافة الإسلامية السائدة في مجتمعاتنا، والتي تحدد ما يمكن أن يقال على الملأ أو يكتب وينشر وما لا يمكن. ومعنى ذلك أن الكتابة باللغة العربية حالها حال الكتابة بأية لغة تضع أمام الكاتب أطرا وأعرافا يصعب عليه تجاوزها دون الاصطدام بالمجتمع، حتى وإن اعترى ذلك المجتمع بعض مظاهر التخلي عن عقيدته أو إهمالها. (لاحظ مثلا أن العلمانيين في مصر باتوا يطلقون على أنفسهم "القوى المدنية" لأن لفظ العلمانية صار سيء السمعة).
ولا يعني هذا أن كل ما كتب ويكتب باللغة العربية موافق للدين الإسلامي الحنيف وتشريعاته، فاللغة العربية تحتوي العديد من الكتابات المخالفة للإسلام جزئيا أو كليا، لكن ما يميز العربية هو أن تلك الكتابات الضالة المضللة ما إن توجد حتى ينبري للتصدي لها كتاب يلتزمون النهج الإسلامي الأصيل، فشعر حسان بن ثابت كان خير رد على هجاء المشركين، وشعر كعب بن زهير بعد إسلامه قضى على ذمه الإسلام قبله، وآراء الفلاسفة المنحرفة دمرها الغزالي وابن تيمية وابن خلدون، وتبعية طه حسين للغرب وقف لها بالمرصاد أنور الجندي، وكتابات تغريبي عصرنا هذا يواجهها المتمسكون بثقافتنا الإسلامية العربية بثبات رغم تهميشهم المستمر من الإعلام، وهكذا دواليك.
ومعنى ذلك أن الكتابات العربية المنحرفة عن الدين وإن وجدت في لغتنا، فإنها أيضا تجد من يقف في وجهها، أي أن فضاء اللغة العربية إن احتوى على بعض العلل، فإن علاجها متوفر أيضا.
نستنتج إذن أن من تربى وعاش في كنف اللغة العربية وما يماثلها من لغات المسلمين يكون أقدر على التمسك بدينه وتعاليمه ممن سواه لأن لغته توفر المصادر التي تعينه على ذلك ولغلبة تلك المصادر على المواد التي تخالف الإسلام وشريعته.
هكذا يمكن أن تؤثر اللغة على الدين.
وإذا نظرنا اليوم إلى خريجي ما يسمى بمدارس اللغات ومدارس البعثات الأجنبية لوجدنا أن الغالبية العظمى منهم بعيدون عن ثقافتنا الإسلامية العربية وإن مارس بعضهم شعائر الدين، وذلك لأنهم نشأوا في كنف لغات كالإنجليزية والفرنسية، وهذه اللغات تفتح أمامهم عالما آخرا لا يكاد يكون للثقافة الإسلامية العربية فيه وجود. ولذا نجد الكثيرين منهم لا يفهمون روح ثقافتنا الأصيلة وإن صلوا وصاموا، ومن ثم فإن عقليتهم وتفكيرهم يكونان عادة متعلقين بالغرب لدرجة أنهم إن أرادوا أن يثوروا على الغرب استعملوا أدواته المعروفة كالاشتراكية والشيوعية واللبرالية وما إلى ذلك بدلا من مقاومته بالثقافة الإسلامية العربية التي غالبا ما تكون بضاعتهم فيها مزجاة.
وقد لا يسلم من هذا الداء حتى من نشأ في ظلال الثقافة الإسلامية العربية قبل أن ينفتح على الثقافة الغربية في مرحلة متأخرة نسبيا من عمره، وذلك لأن الحضارة الغربية لها بريق مادي يغوي الكثيرين ويجعلهم يهرعون نحوها ويرتمون في أحضانها التي تعصرهم حتى لا تبقي لهم من انتمائهم لأمتهم شيئا سوى كره الذات.
وليس معنى ذلك أن كل من يترعرع في ظل اللغة العربية أو سواها من لغات المسلمين يصبح ملتزما بالإسلام وثقافته تلقائيا، ولو صح هذا لما كان هناك الكثير من العرب غير الملتزمين بالدين، ولما بقي نصراني عربي على ديانته، ولكن المقصود هنا أن من ينشأ في كنف اللغة العربية أو التركية أو الأردية مثلا يظل أقدر على اتباع الإسلام والتمسك به لامتلاكه الأداة اللغوية التي تمكنه من النهل من المصادر الإسلامية الكثيرة المتوفرة في لغته. وفي ذات الوقت لا نستطيع أن نقول أن كل مسلم يتربى على لغات غير المسلمين وما تحويه من ثقافات تناقض الإسلام سينبذ الإسلام أو يصبح على الأقل غير ملتزم به بالضرورة وبثقافته، ولكن المراد هنا أنه يكون أكثر عرضة للانحراف عن طريق الإسلام ومنهجه لكون لغات كالإنجليزية والفرنسية تفتح أمامه أبواب الثقافة الغربية التي ليس لديننا الحنيف فيها وجود تقريبا سوى وسمه بالتخلف وبما يسمى بالإرهاب.
وخطر اللغات الأجنبية المشبعة بالفكر المخالف للإسلام وعقيدته ليس بمشكلة جديدة، وإنما له سابقة تاريخية تتمثل في انحرافات الفلاسفة التي نتجت عن الاطلاع على الفلسفة اليونانية. وفي هذا السياق ينقل الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه 'فضل علم السلف على علم الخلف' عن الإمام الشافعي قوله:
(ما جهل الناس واختلفوا إلاَّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطليس) "صفحة ٩٩".
والجدير بالذكر أن الفلسفة اليونانية الضالة التي أضرت بالأمة ردحا من الزمان قبل أن يتصدى لها أئمة عظام من أمثال الغزالي وابن تيمية وابن خلدون وصلت إلى غالبية المسلمين المطلعين عليها بواسطة الترجمة وليس عن طريق قراءتها بلغتها الأصلية كما يحدث اليوم. كما أنها تسربت إلى المسلمين في عصر ازدهار حضارتهم وليس في عصر ضعفهم كما هو حاصل في زماننا هذا. ولهذين السببين يمكننا القول أن خطر اللغات الأجنبية اليوم والفكر الفاسد الذي يردنا من خلالها أشد مما كان عليه بالأمس.
ولذا فإننا إن سمعنا أن أحد علماء الدين أفتى بحرمة تعلم اللغة الإنجليزية مثلا فإن الأولى أن نبحث عن الأسباب التي دفعته إلى إصدار فتواه بالنظر إلى واقعنا وتاريخنا بدلا من تسفيهه ووصفه أنه متطرف متخلف يعيش خارج العصر.
ومن هنا، وبالرغم من إيماننا العميق أن الهداية من عند الله سبحانه وتعالى وليست من عند البشر أو الثقافة أو اللغة، فإن لزاما علينا أن نأخذ بالأسباب ونعي أن فتح الباب على مصراعيه دونما رقابة أمام الجميع لتعلم لغات الآخرين والتبحر في ثقافاتهم كما يحدث في المدارس والجامعات الأجنبية يمكن أن يؤثر سلبا على عقليتنا وتفكيرنا وبالتالي على عقيدتنا الدينية ومدى التزامنا بها، خصوصا أن لذلك شواهد نراها في واقع العديد من خريجي تلك المدارس والجامعات والمنتسبين إلى الثقافات الأجنبية والمنبهرين بها والمبجلين لها، الغربية منها خاصة، حيث أن انتماء تلك الفئة إلى الثقافة الإسلامية ضعيف وإن صلوا وصاموا. وديننا الحنيف كما هو معروف ليس مجرد شعائر فقط وإنما هو نمط حياة أيضا.
وبالمقابل فإننا يجب أن نسعى إلى أن يكون تسييد اللغة العربية في مجتمعاتنا مقرونا باتباع منهاج ديننا الحنيف، وذلك بتعرية ونبذ الكتابات المنافية للإسلام التي كتبت وتكتب بلغتنا حتى اليوم وحتى تسود الكتابات الموافقة لديننا لغتنا. عندها فقط يمككنا أن نطمئن إلى أن التعريب لن يؤدي إلى علمنة مجتمعاتنا وتغريبها وأن لغتنا لن تصبح مرتعا لانحرافات اللبرالين والشيوعيين والتغريبيين وساء أولئك رفيقا.
ولم يقف تأثير الإسلام عند اللغة العربية، وإنما تخطاه إلى لغات العديد من الشعوب التي اعتنقت الإسلام كالفارسية والتركية والهوساوية والأردية. كما أن ذلك التأثير لم يتوقف عند حدود اللغة الفصحى مكتوبة كانت أم محكية، وإنما تعداه إلى اللهجات الدارجة حتى أضحى كلامنا فيه العديد من الاستعارات المستمدة من مصادر الإسلام. ومثال ذلك ما ذكره الأستاذ حسن الساعاتي في بحث حول أثر القرآن في حياة المصريين، إذ يقول:
واقتباس المصريين من لغة القرآن فى حياتهم الاقتصادية أمر يستحق الذكر ، فهناك معلقات تحمل آيات قرآنية يعلقها أصحاب بعض المهن في مجالهم . فيعلق الخياط قوله تعالى " وكل شيء فصلناه تفصيلا"(الإسراء:١٢)، ويعلق الحلاق من قوله تعالى : "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" (المطففين: ٢٤) أو "وزيناها للناظرين" (الحجر:١٦)، ويعلق الحداد: " وألنا له الحديد " (سبأ:١٠)، ويعلق صاحب المطعم: " كلوا واشربوا هنيئا" (الطور : ١٩)، ويعلق السماك: "ومن كلٍ تأكلون لحما طريا " (فاطر :١٢)، ويعلق المأذون: "وزوجناهم بحور عين" (الطور : ٢٠)، ويعلق الشربتلي: " وسقاهم ربهم شرابا طهورا" (الإنسان:٢١).
وقد يرى البعض في هذه الأمثلة ضربا من ضروب استغلال الدين، لكنها حتى وإن كانت كذلك فإنها تظهر مدى عمق أثر الإسلام وتجذره في حياتنا من الناحية اللغوية.
لكن هناك جانب آخر من تأثير اللغة على الدين له من الأهمية ما يفوق ما ذكر أعلاه، وهو ما يتعلق بالثقافة الإسلامية السائدة في مجتمعاتنا، والتي تحدد ما يمكن أن يقال على الملأ أو يكتب وينشر وما لا يمكن. ومعنى ذلك أن الكتابة باللغة العربية حالها حال الكتابة بأية لغة تضع أمام الكاتب أطرا وأعرافا يصعب عليه تجاوزها دون الاصطدام بالمجتمع، حتى وإن اعترى ذلك المجتمع بعض مظاهر التخلي عن عقيدته أو إهمالها. (لاحظ مثلا أن العلمانيين في مصر باتوا يطلقون على أنفسهم "القوى المدنية" لأن لفظ العلمانية صار سيء السمعة).
ولا يعني هذا أن كل ما كتب ويكتب باللغة العربية موافق للدين الإسلامي الحنيف وتشريعاته، فاللغة العربية تحتوي العديد من الكتابات المخالفة للإسلام جزئيا أو كليا، لكن ما يميز العربية هو أن تلك الكتابات الضالة المضللة ما إن توجد حتى ينبري للتصدي لها كتاب يلتزمون النهج الإسلامي الأصيل، فشعر حسان بن ثابت كان خير رد على هجاء المشركين، وشعر كعب بن زهير بعد إسلامه قضى على ذمه الإسلام قبله، وآراء الفلاسفة المنحرفة دمرها الغزالي وابن تيمية وابن خلدون، وتبعية طه حسين للغرب وقف لها بالمرصاد أنور الجندي، وكتابات تغريبي عصرنا هذا يواجهها المتمسكون بثقافتنا الإسلامية العربية بثبات رغم تهميشهم المستمر من الإعلام، وهكذا دواليك.
ومعنى ذلك أن الكتابات العربية المنحرفة عن الدين وإن وجدت في لغتنا، فإنها أيضا تجد من يقف في وجهها، أي أن فضاء اللغة العربية إن احتوى على بعض العلل، فإن علاجها متوفر أيضا.
نستنتج إذن أن من تربى وعاش في كنف اللغة العربية وما يماثلها من لغات المسلمين يكون أقدر على التمسك بدينه وتعاليمه ممن سواه لأن لغته توفر المصادر التي تعينه على ذلك ولغلبة تلك المصادر على المواد التي تخالف الإسلام وشريعته.
هكذا يمكن أن تؤثر اللغة على الدين.
وإذا نظرنا اليوم إلى خريجي ما يسمى بمدارس اللغات ومدارس البعثات الأجنبية لوجدنا أن الغالبية العظمى منهم بعيدون عن ثقافتنا الإسلامية العربية وإن مارس بعضهم شعائر الدين، وذلك لأنهم نشأوا في كنف لغات كالإنجليزية والفرنسية، وهذه اللغات تفتح أمامهم عالما آخرا لا يكاد يكون للثقافة الإسلامية العربية فيه وجود. ولذا نجد الكثيرين منهم لا يفهمون روح ثقافتنا الأصيلة وإن صلوا وصاموا، ومن ثم فإن عقليتهم وتفكيرهم يكونان عادة متعلقين بالغرب لدرجة أنهم إن أرادوا أن يثوروا على الغرب استعملوا أدواته المعروفة كالاشتراكية والشيوعية واللبرالية وما إلى ذلك بدلا من مقاومته بالثقافة الإسلامية العربية التي غالبا ما تكون بضاعتهم فيها مزجاة.
وقد لا يسلم من هذا الداء حتى من نشأ في ظلال الثقافة الإسلامية العربية قبل أن ينفتح على الثقافة الغربية في مرحلة متأخرة نسبيا من عمره، وذلك لأن الحضارة الغربية لها بريق مادي يغوي الكثيرين ويجعلهم يهرعون نحوها ويرتمون في أحضانها التي تعصرهم حتى لا تبقي لهم من انتمائهم لأمتهم شيئا سوى كره الذات.
وليس معنى ذلك أن كل من يترعرع في ظل اللغة العربية أو سواها من لغات المسلمين يصبح ملتزما بالإسلام وثقافته تلقائيا، ولو صح هذا لما كان هناك الكثير من العرب غير الملتزمين بالدين، ولما بقي نصراني عربي على ديانته، ولكن المقصود هنا أن من ينشأ في كنف اللغة العربية أو التركية أو الأردية مثلا يظل أقدر على اتباع الإسلام والتمسك به لامتلاكه الأداة اللغوية التي تمكنه من النهل من المصادر الإسلامية الكثيرة المتوفرة في لغته. وفي ذات الوقت لا نستطيع أن نقول أن كل مسلم يتربى على لغات غير المسلمين وما تحويه من ثقافات تناقض الإسلام سينبذ الإسلام أو يصبح على الأقل غير ملتزم به بالضرورة وبثقافته، ولكن المراد هنا أنه يكون أكثر عرضة للانحراف عن طريق الإسلام ومنهجه لكون لغات كالإنجليزية والفرنسية تفتح أمامه أبواب الثقافة الغربية التي ليس لديننا الحنيف فيها وجود تقريبا سوى وسمه بالتخلف وبما يسمى بالإرهاب.
وخطر اللغات الأجنبية المشبعة بالفكر المخالف للإسلام وعقيدته ليس بمشكلة جديدة، وإنما له سابقة تاريخية تتمثل في انحرافات الفلاسفة التي نتجت عن الاطلاع على الفلسفة اليونانية. وفي هذا السياق ينقل الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه 'فضل علم السلف على علم الخلف' عن الإمام الشافعي قوله:
(ما جهل الناس واختلفوا إلاَّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطليس) "صفحة ٩٩".
والجدير بالذكر أن الفلسفة اليونانية الضالة التي أضرت بالأمة ردحا من الزمان قبل أن يتصدى لها أئمة عظام من أمثال الغزالي وابن تيمية وابن خلدون وصلت إلى غالبية المسلمين المطلعين عليها بواسطة الترجمة وليس عن طريق قراءتها بلغتها الأصلية كما يحدث اليوم. كما أنها تسربت إلى المسلمين في عصر ازدهار حضارتهم وليس في عصر ضعفهم كما هو حاصل في زماننا هذا. ولهذين السببين يمكننا القول أن خطر اللغات الأجنبية اليوم والفكر الفاسد الذي يردنا من خلالها أشد مما كان عليه بالأمس.
ولذا فإننا إن سمعنا أن أحد علماء الدين أفتى بحرمة تعلم اللغة الإنجليزية مثلا فإن الأولى أن نبحث عن الأسباب التي دفعته إلى إصدار فتواه بالنظر إلى واقعنا وتاريخنا بدلا من تسفيهه ووصفه أنه متطرف متخلف يعيش خارج العصر.
ومن هنا، وبالرغم من إيماننا العميق أن الهداية من عند الله سبحانه وتعالى وليست من عند البشر أو الثقافة أو اللغة، فإن لزاما علينا أن نأخذ بالأسباب ونعي أن فتح الباب على مصراعيه دونما رقابة أمام الجميع لتعلم لغات الآخرين والتبحر في ثقافاتهم كما يحدث في المدارس والجامعات الأجنبية يمكن أن يؤثر سلبا على عقليتنا وتفكيرنا وبالتالي على عقيدتنا الدينية ومدى التزامنا بها، خصوصا أن لذلك شواهد نراها في واقع العديد من خريجي تلك المدارس والجامعات والمنتسبين إلى الثقافات الأجنبية والمنبهرين بها والمبجلين لها، الغربية منها خاصة، حيث أن انتماء تلك الفئة إلى الثقافة الإسلامية ضعيف وإن صلوا وصاموا. وديننا الحنيف كما هو معروف ليس مجرد شعائر فقط وإنما هو نمط حياة أيضا.
وبالمقابل فإننا يجب أن نسعى إلى أن يكون تسييد اللغة العربية في مجتمعاتنا مقرونا باتباع منهاج ديننا الحنيف، وذلك بتعرية ونبذ الكتابات المنافية للإسلام التي كتبت وتكتب بلغتنا حتى اليوم وحتى تسود الكتابات الموافقة لديننا لغتنا. عندها فقط يمككنا أن نطمئن إلى أن التعريب لن يؤدي إلى علمنة مجتمعاتنا وتغريبها وأن لغتنا لن تصبح مرتعا لانحرافات اللبرالين والشيوعيين والتغريبيين وساء أولئك رفيقا.