من المعروف لدى أخصاء التربية أن العلوم الإنسانية والأدبية عادة ما ترتبط بالمجتمعات التي تنشأ فيها، ولذا فإنها من الصعب أن تنقل من حضارة إلى أخرى دون أن يظهر عدم ملائمتها للحضارة المستوردة. وقد سجل التاريخ الآثار السلبية التي تركتها الفلسفة اليونانية على فكر الكثير من بعض المسلمين في عصور الإسلام الأولى، كما نعلم جيدا أن المفاهيم الحديثة المستوردة من الغرب مثل الاشتراكية والحداثة وما بعد الحداثة لا تزال غير مستساغة عندنا لأنها لا تناسب في مجملها طبيعة مجتمعاتنا. ولذا فإننا نجد أن العلوم الإنسانية والأدبية في عصرنا هذا معربة في أغلبها في الدول العربية، إذ أنها غالبا ما تدرس بالعربية، وإن لم تخلو من الكثير من النظريات الغربية التي يظهر عدم ملائمتها لمجتمعاتنا عند قراءتها باللغة العربية.
أما بالنسبة للعلوم الطبيعية، وهي محور هذا المقال، فإن جلها مرتبط بقوانين ثابتة يكمن تعميمها على كل بلاد المعمورة، فالجاذبية قانون لا يتغير بتغير المكان، والعناصر المكونة للهواء هي ذاتها سواء في الشرق أم في الغرب.ولذا فإن الكثيرين يظنون أن العلوم الطبيعية يمكن تلقيها بأية لغة، طالما أن الدراس لها يتقن اللغة المستخدمة في تدريسها سواء كانت لغته الأم أم لغة أجنبية.
إن نظرة مثل تلك المذكورة أعلاه فيها شيء من الصحة من الناحية النظرية، ولكن الثابت أن هناك العديد من الصعوبات التي تحول بيننا وبين جني فائدة استخدام اللغات الأجنبية في تدريس العلوم الطبيعية. ومن تلك الصعوبات أن أغلبنا لا يمكنه أن يتقن لغة كالإنجليزية أو الفرنسية كإتقانه للعربية، مما يؤدي إلى صعوبة في الفهم وعدم رغبة في الاطلاع على ما هو غير مقرر. ناهيك أن الاعتقاد بأن العلوم الطبيعية ليست لها صلة بثقافة المجتمعات التي تنشأ فيها أمر يصعب تصديقه، وما دارون عنكم ببعيد.
لكن إحدى أهم المشاكل التي تنشأ جراء التدريس بلغات أجنبية في بلادنا العربية هي تلك المشاكل المتعلقة بأولويات التنمية في بلادنا العربية. فاستخدام لغة مثل الإنجليزية لغة لتدريس الطب والهندسة في الكثير من الدول العربية يستلزم استعمال مراجع مستوردة من أمريكا وبريطانيا يقول الكثيرون أنها تحتوي على أحدث النظريات والتطبيقات. وبعد أن ينتهي طالب العلم من اكتساب العلوم الكائنة بتلك الكتب، إن أسعفته إنجليزيته إلى ذلك، فإنه من المفترض أن يستخدم العلم الذي اكتسبه في تنمية بلاده عن طريق البحث العلمي. وهنا تزداد المشكلة تعقيدا، إذ أن أولويات البحث العلمي تختلف من بلد لآخر، فدولة مثل أمريكا تطور عقاقير لمكافحة السمنة والشيخوخة، بينما يعاني بلد مثل السودان من أمراض كالملاريا والسحائي. وقد يطور بلد مثل سويسرا أو اليابان أدوية لعلاج الملاريا في السودان أو غيره من الدول الأفريقية، ولكن فقر تلك الدول يجعل مسألة جني أرباح من تسويق تلك الأدوية أمرا صعب المنال، مما يجعل الدول الغنية تحجم عن الإنفاق السخي على تطوير مثل تلك العقاقير.
ويعرف الكثير من العاملين في المجال الأكاديمي أنه يجب على من يريد أن ينشر بحثا في مجلة علمية أمريكية ذات مكانة رفيعة أن تكون مواضيع بحثه موافقة لاهتمامات تلك المجلة حتى وإن لم تكن تلك المواضيع ذات صلة بمشاكل بلد الباحث الأجنبي. وكثير من المجلات العلمية المرموقة يسيطر عليها مجموعة من الباحثين الغربين الذين ينتمون لمدارس فكرية معينة لا تسمح بالاختلاف إلى في حدود معينة، وهذه قاعدة غير مكتوبة ولكنها مفهومة ضمنيا. ولذا فإننا نجد بعض الباحثين مضطرين لمسايرة أجندة تلك المجلات علهم يستطعون نشر أبحاثهم والحصول على ترقية أو دعوة للتدريس في إحدى الجامعات بالخارج.
إن تعريب العلوم الطبيعية في بلادنا العربية تعريبا شاملا لن يؤدي في الغالب إلى تغيير قوانين الطبيعة، ولكنه حتما سوف يساعد على التركيز على أولويات التنمية لدينا. فمن تعلم بالإنجليزية أو الفرنسية غالبا ما سوف يكون مرتبطا بما كتب بهما، مما يؤدي إلى جعل اهتماماته تتمحور حول قضايا الغير دون قضاياه، وإلى البحث عن حلول لمشاكله عند الآخرين حتى وإن لم تكن تلك الحلول مناسبة، وخصوصا إذا كان منبهرا بالغرب، وما أكثر هؤلاء.
وباختصار فإن تعريب العلوم الطبيعة سوف يجعل الطالب والأستاذ والباحث العربي مرتبطا بصورة أكبر بهموم ومشاكل بلده، مما سوف يشكل حافزا أكبر لحل تلك المشاكل، ولو بعد حين.
أما بالنسبة للعلوم الطبيعية، وهي محور هذا المقال، فإن جلها مرتبط بقوانين ثابتة يكمن تعميمها على كل بلاد المعمورة، فالجاذبية قانون لا يتغير بتغير المكان، والعناصر المكونة للهواء هي ذاتها سواء في الشرق أم في الغرب.ولذا فإن الكثيرين يظنون أن العلوم الطبيعية يمكن تلقيها بأية لغة، طالما أن الدراس لها يتقن اللغة المستخدمة في تدريسها سواء كانت لغته الأم أم لغة أجنبية.
إن نظرة مثل تلك المذكورة أعلاه فيها شيء من الصحة من الناحية النظرية، ولكن الثابت أن هناك العديد من الصعوبات التي تحول بيننا وبين جني فائدة استخدام اللغات الأجنبية في تدريس العلوم الطبيعية. ومن تلك الصعوبات أن أغلبنا لا يمكنه أن يتقن لغة كالإنجليزية أو الفرنسية كإتقانه للعربية، مما يؤدي إلى صعوبة في الفهم وعدم رغبة في الاطلاع على ما هو غير مقرر. ناهيك أن الاعتقاد بأن العلوم الطبيعية ليست لها صلة بثقافة المجتمعات التي تنشأ فيها أمر يصعب تصديقه، وما دارون عنكم ببعيد.
لكن إحدى أهم المشاكل التي تنشأ جراء التدريس بلغات أجنبية في بلادنا العربية هي تلك المشاكل المتعلقة بأولويات التنمية في بلادنا العربية. فاستخدام لغة مثل الإنجليزية لغة لتدريس الطب والهندسة في الكثير من الدول العربية يستلزم استعمال مراجع مستوردة من أمريكا وبريطانيا يقول الكثيرون أنها تحتوي على أحدث النظريات والتطبيقات. وبعد أن ينتهي طالب العلم من اكتساب العلوم الكائنة بتلك الكتب، إن أسعفته إنجليزيته إلى ذلك، فإنه من المفترض أن يستخدم العلم الذي اكتسبه في تنمية بلاده عن طريق البحث العلمي. وهنا تزداد المشكلة تعقيدا، إذ أن أولويات البحث العلمي تختلف من بلد لآخر، فدولة مثل أمريكا تطور عقاقير لمكافحة السمنة والشيخوخة، بينما يعاني بلد مثل السودان من أمراض كالملاريا والسحائي. وقد يطور بلد مثل سويسرا أو اليابان أدوية لعلاج الملاريا في السودان أو غيره من الدول الأفريقية، ولكن فقر تلك الدول يجعل مسألة جني أرباح من تسويق تلك الأدوية أمرا صعب المنال، مما يجعل الدول الغنية تحجم عن الإنفاق السخي على تطوير مثل تلك العقاقير.
ويعرف الكثير من العاملين في المجال الأكاديمي أنه يجب على من يريد أن ينشر بحثا في مجلة علمية أمريكية ذات مكانة رفيعة أن تكون مواضيع بحثه موافقة لاهتمامات تلك المجلة حتى وإن لم تكن تلك المواضيع ذات صلة بمشاكل بلد الباحث الأجنبي. وكثير من المجلات العلمية المرموقة يسيطر عليها مجموعة من الباحثين الغربين الذين ينتمون لمدارس فكرية معينة لا تسمح بالاختلاف إلى في حدود معينة، وهذه قاعدة غير مكتوبة ولكنها مفهومة ضمنيا. ولذا فإننا نجد بعض الباحثين مضطرين لمسايرة أجندة تلك المجلات علهم يستطعون نشر أبحاثهم والحصول على ترقية أو دعوة للتدريس في إحدى الجامعات بالخارج.
إن تعريب العلوم الطبيعية في بلادنا العربية تعريبا شاملا لن يؤدي في الغالب إلى تغيير قوانين الطبيعة، ولكنه حتما سوف يساعد على التركيز على أولويات التنمية لدينا. فمن تعلم بالإنجليزية أو الفرنسية غالبا ما سوف يكون مرتبطا بما كتب بهما، مما يؤدي إلى جعل اهتماماته تتمحور حول قضايا الغير دون قضاياه، وإلى البحث عن حلول لمشاكله عند الآخرين حتى وإن لم تكن تلك الحلول مناسبة، وخصوصا إذا كان منبهرا بالغرب، وما أكثر هؤلاء.
وباختصار فإن تعريب العلوم الطبيعة سوف يجعل الطالب والأستاذ والباحث العربي مرتبطا بصورة أكبر بهموم ومشاكل بلده، مما سوف يشكل حافزا أكبر لحل تلك المشاكل، ولو بعد حين.