تحدثت في المقال السابق عن كيف أن التبعية لثقافة بعينها تجبرنا على الدوران في مسار محدد بحيث لا ترى أعيننا من العلوم سوى ما يصدر من تلك الثقافة، مما يضيع علينا فرصة الاستفادة من علوم الثقافات الأخرى وحتى من علومنا. ولكني أريد اليوم الحديث وباختصار عن خطورة التبعية من حيث التضليل الذي يمكن أن تمارسه الثقافة المتبَعة على الثقافة التابعة.
وعلى سبيل المثال فإن الدكتور ريتشارد دول الذي ذكرته في الأسبوع الماضي اتضح بعد وفاته أنه كان يعمل مستشارا لبعض الشركات التي تصنع منتجات كيميائية أشار العديد من العلماء بأنها تضر بالصحة، بينما كان دول يصر على أن تلك المنتجات ليست ذات ضرر بالصحة. وقد صدقه فيما قال الكثيرون ولم يشكك أحد في مصداقيته، كيف لا وهو الرجل الذي ينسب إليه أنه أول من أثبت أن هناك علاقة سببية بين التدخين والسرطان. ولم يكشف المستور إلا بعد أن توفي الرجل وعرف من سجلاته ورسائله أنه كان يعمل مستشارا بأجر لدى الشركات التي كان يدافع عن منتجاتها. فكيف نسلم بصدق كل ما قاله رجل في ذمته قدح؟
وإذا عدنا إلى مسألة التبعية فإنه يجب علينا أن نعي أن التبعية لثقافة بعينها لا تكون في العلم فقط، بل يلزم التبعية للغير انبهارا شديدا بنموذج حياة الآخر وإنتاجه الأدبي والفني بالإضافة إلى التسليم بصحة ما لديه من علم. وحتى يتم كل هذا فإن من الضروري وجود العديد من الهيئات التي تروج لتفوق الدول المتبعة كالمراكز الثقافية ودورات تعليم اللغة والبرامج التلفزيونية. وهذا ما أصبح يسميه البعض في يومنا هذا القوة الناعمة، وهي قوة إغرائية تهيأ شعبا أو أمة ما للانقياد لدولة أو ثقافة معينة دون استخدام الصواريخ والقنابل.
والانبهار بالآخر والإيمان شبه المطلق بعصمته واستحالة التفوق عليه بوعي أو بدون وعي داء قد يصيب الكثير من أفراد أي مجتمع، من كبيرهم وحتى صغيرهم. وخير دليل على ذلك محاولة السادات غزو ليبيا للاستيلاء على نفطها عام ١٩٧٧، وذلك بإيعاز من إسرائيل، إذ ظن السادات أن أمريكا بصفتها حليفة إسرائيل سوف تبارك أو تغض الطرف عن هجومه على ليبيا، وهو ما لم يتم، إذ صدم السادات من ردة فعل أمريكا التي كان يؤمن بها إيمانا عميقا لدرجة أنه طلب منها أن تتكفل بأمنه الشخصي حسب ما ذكره حسن يوسف الشريف نقلا عن هيكل.
وختاما فإن التبعية للغير سواء كانت تسبب في تضييق الأفق كما تبين في المقال السابق أو في تضليل العقول وتغييبها كما رأينا في هذا المقال، فإن عواقبها وخيمة جدا على مجتمعاتنا، حتى وإن لم يتضح ذلك على المدى القصير. ولا يعقل أن يكون التقدم من السهولة بمكان بحيث يتم عن طريق اتباع الآخرين وأخذ علومهم ومعارفهم دون أن يكون لذلك ثمن باهظ يتحتم علينا دفعه. وقد قيل قديما: ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك.
وعلى سبيل المثال فإن الدكتور ريتشارد دول الذي ذكرته في الأسبوع الماضي اتضح بعد وفاته أنه كان يعمل مستشارا لبعض الشركات التي تصنع منتجات كيميائية أشار العديد من العلماء بأنها تضر بالصحة، بينما كان دول يصر على أن تلك المنتجات ليست ذات ضرر بالصحة. وقد صدقه فيما قال الكثيرون ولم يشكك أحد في مصداقيته، كيف لا وهو الرجل الذي ينسب إليه أنه أول من أثبت أن هناك علاقة سببية بين التدخين والسرطان. ولم يكشف المستور إلا بعد أن توفي الرجل وعرف من سجلاته ورسائله أنه كان يعمل مستشارا بأجر لدى الشركات التي كان يدافع عن منتجاتها. فكيف نسلم بصدق كل ما قاله رجل في ذمته قدح؟
وإذا عدنا إلى مسألة التبعية فإنه يجب علينا أن نعي أن التبعية لثقافة بعينها لا تكون في العلم فقط، بل يلزم التبعية للغير انبهارا شديدا بنموذج حياة الآخر وإنتاجه الأدبي والفني بالإضافة إلى التسليم بصحة ما لديه من علم. وحتى يتم كل هذا فإن من الضروري وجود العديد من الهيئات التي تروج لتفوق الدول المتبعة كالمراكز الثقافية ودورات تعليم اللغة والبرامج التلفزيونية. وهذا ما أصبح يسميه البعض في يومنا هذا القوة الناعمة، وهي قوة إغرائية تهيأ شعبا أو أمة ما للانقياد لدولة أو ثقافة معينة دون استخدام الصواريخ والقنابل.
والانبهار بالآخر والإيمان شبه المطلق بعصمته واستحالة التفوق عليه بوعي أو بدون وعي داء قد يصيب الكثير من أفراد أي مجتمع، من كبيرهم وحتى صغيرهم. وخير دليل على ذلك محاولة السادات غزو ليبيا للاستيلاء على نفطها عام ١٩٧٧، وذلك بإيعاز من إسرائيل، إذ ظن السادات أن أمريكا بصفتها حليفة إسرائيل سوف تبارك أو تغض الطرف عن هجومه على ليبيا، وهو ما لم يتم، إذ صدم السادات من ردة فعل أمريكا التي كان يؤمن بها إيمانا عميقا لدرجة أنه طلب منها أن تتكفل بأمنه الشخصي حسب ما ذكره حسن يوسف الشريف نقلا عن هيكل.
وختاما فإن التبعية للغير سواء كانت تسبب في تضييق الأفق كما تبين في المقال السابق أو في تضليل العقول وتغييبها كما رأينا في هذا المقال، فإن عواقبها وخيمة جدا على مجتمعاتنا، حتى وإن لم يتضح ذلك على المدى القصير. ولا يعقل أن يكون التقدم من السهولة بمكان بحيث يتم عن طريق اتباع الآخرين وأخذ علومهم ومعارفهم دون أن يكون لذلك ثمن باهظ يتحتم علينا دفعه. وقد قيل قديما: ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق