قرأت منذ أسبوعين مقالا نقديا على موقع الجزيرة بعنوان الحديث ضعيف والأمة ضعيفة ناقش فيه الكاتب ظاهرة استخدام أحاديث ونصوص لم تثبت صحتها من أجل فرض بعض القيم السلبية على مجتمعاتنا وذلك لإقناعنا بأن الأمور محسومة وأن ما باليد حيلة. واستشهد كاتب المقال بحديث: "كما تكونوا يولى عليكم"، وذكر أوجه ضعفه من ناحية السند والمتن وكيف أنه يخالف أحاديث صحيحة مثل حديث كلمة حق عند سلطان جائر وحديث تغيير المنكر، ناهيك عن أنه يخالف التاريخ والواقع. (الرجاء قراءة المقال للفهم والاستزادة).
وبعد أن قرأت المقال بأسبوع عثرت خلال بحث عن مقالات تتعلق بتعلم اللغات على معلومة تصحيحية أخرى، ومفادها أن حديث "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" ليس ضعيفا، وإنما لا أصل له من الأساس حسب ما ذكره الإمام الألباني وحسب ما أكده الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة. والمعلوم أن الكثيرين يتشهدون بهذا الحديث عندما يؤكدون أهمية تعلم لغات كالإنجليزية والفرنسية وحتى عندما يدافعون عن التدريس بتلك اللغات في جامعاتنا بدلا من التدريس بالعربية. وهم إذ يقومون بذلك فإنهم يرمون إلى غلق باب النقاش محتجين بذلك الحديث الموضوع.
لست من هواة التشكيك بكل الأحاديث، ليس فقط لأنني لست من علماء الحديث ولا أفقه شيئا يذكر عن كيفية تحقيق الأحاديث، وإنما لأني أعلم أن العديد من ذوي النوايا السيئة والمضللين يتخذون من التشكيك بحديث ضعيف أو موضوع حجة للبدء بالتشكيك بكل الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها، وهذا مما لا ينبغي لأنه منهج التغريبيين واللبراليين والعلمانيين والانهزاميين وساء أولئك رفيقا.
وإذا عدنا إلى محور هذا المقال لوجدنا أن مقولة "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" مغلوطة، أو على الأقل منقوصة كما سنرى لاحقا، ليس فقط لكونها ليست بحديث، وإنما لأنها لا يمكن أن تفسر ظاهرة حرص العديد من الدول المتقدمة على نشر لغاتها في أنحاء العالم. فهل تحرص دول مثل أمريكا وفرنسا وغيرها على فرض لغاتها على الدول الأخرى حتى تأمن تلك الدول شرها؟ أم حتى تأمن أمريكا وفرنسا مكر تلك الدول؟ وهل يعد مركز مثل المجلس الثقافي البريطاني مجرد معهد لتعليم اللغة الإنجليزية نحج إليه حتى نتعلم الإنجليزية فنأمن مكر الإنجليز؟ أم أنه أداة للترويج للثقافة البريطانية وتحبيبها إلى نفوسنا كما يوحي اسمه بذلك؟
إن ما تقوم به العديد من الدول القوية في عصرنا هذا من نشر للغاتها ليس سوى أحد أوجه استخدامها لما بات يعرف بالقوة الناعمة، وهي ضرب من الإغواء بالثقافة تهدف من خلاله تلك الدول لأن تأمن مكرنا وتروضنا حتى نسلم بحتمية سيادتها علينا وعلى غيرنا دون الحاجة إلى تجييش الجيوش وإطلاق الصواريخ من قبل تلك الدول. فأحيانا يكون قصف العقول أنجع وأقل تكلفة من تدمير البلدان واحتلالها. (راجع هذا التقرير عن مفهوم القوة الناعمة وراجع الصفحات رقم ٦٤ و ٦٥ و ٦٦ للتعرف باختصار على دور اللغة الإنجليزية كقوة ناعمة في الدول العربية).
وقد يحتار القاريء هنا متسائلا: هل يعني ما ذكرته أعلاه أن مجرد تعلمي للغة كالإنجليزية سوف يغير من مفاهيمي ويجعلني تابعا لماما أمريكا؟
الإجابة تكمن في إدراك أن الأعمال بالنيات، فمن كان يريد تعلم لغة قوم ليأمن مكرهم كان له ما أراد حتى وإن كان حديث "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" لا أصل له. ومن كان ينوي تعلم لغة قوم ليضر بها قومه بصورة مباشرة أو غير مباشرة وليغوص في وحل العمالة حصل على مراده. ومن تعلم لغة قوم طلبا لعلم نافع لديهم فلا تثريب عليه. ومن تعلم لغة قوم رغبة في الهجرة إلى بلادهم فهجرته إلى ما هاجر إليه. ومن تعلم لغة قوم ليستعلي بها على قومه ويوهم ذاته بتقدمه وتحضره كان له من التمايز والتقدم الزائفين ما أراد.
والخلاصة أن السؤال الذي عنونت به هذا المقال يحتمل أكثر من إجابة حسب مراد كل منا. ولذا فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو: ماذا جنينا من وراء تعلمنا للغات الآخرين؟ هل أمنا مكرهم؟ أم أن قوتهم الناعمة تدمرنا من حيث لا ندري؟
فكر مليا عزيزي القاريء قبل الإجابة.
وبعد أن قرأت المقال بأسبوع عثرت خلال بحث عن مقالات تتعلق بتعلم اللغات على معلومة تصحيحية أخرى، ومفادها أن حديث "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" ليس ضعيفا، وإنما لا أصل له من الأساس حسب ما ذكره الإمام الألباني وحسب ما أكده الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة. والمعلوم أن الكثيرين يتشهدون بهذا الحديث عندما يؤكدون أهمية تعلم لغات كالإنجليزية والفرنسية وحتى عندما يدافعون عن التدريس بتلك اللغات في جامعاتنا بدلا من التدريس بالعربية. وهم إذ يقومون بذلك فإنهم يرمون إلى غلق باب النقاش محتجين بذلك الحديث الموضوع.
لست من هواة التشكيك بكل الأحاديث، ليس فقط لأنني لست من علماء الحديث ولا أفقه شيئا يذكر عن كيفية تحقيق الأحاديث، وإنما لأني أعلم أن العديد من ذوي النوايا السيئة والمضللين يتخذون من التشكيك بحديث ضعيف أو موضوع حجة للبدء بالتشكيك بكل الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها، وهذا مما لا ينبغي لأنه منهج التغريبيين واللبراليين والعلمانيين والانهزاميين وساء أولئك رفيقا.
وإذا عدنا إلى محور هذا المقال لوجدنا أن مقولة "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" مغلوطة، أو على الأقل منقوصة كما سنرى لاحقا، ليس فقط لكونها ليست بحديث، وإنما لأنها لا يمكن أن تفسر ظاهرة حرص العديد من الدول المتقدمة على نشر لغاتها في أنحاء العالم. فهل تحرص دول مثل أمريكا وفرنسا وغيرها على فرض لغاتها على الدول الأخرى حتى تأمن تلك الدول شرها؟ أم حتى تأمن أمريكا وفرنسا مكر تلك الدول؟ وهل يعد مركز مثل المجلس الثقافي البريطاني مجرد معهد لتعليم اللغة الإنجليزية نحج إليه حتى نتعلم الإنجليزية فنأمن مكر الإنجليز؟ أم أنه أداة للترويج للثقافة البريطانية وتحبيبها إلى نفوسنا كما يوحي اسمه بذلك؟
إن ما تقوم به العديد من الدول القوية في عصرنا هذا من نشر للغاتها ليس سوى أحد أوجه استخدامها لما بات يعرف بالقوة الناعمة، وهي ضرب من الإغواء بالثقافة تهدف من خلاله تلك الدول لأن تأمن مكرنا وتروضنا حتى نسلم بحتمية سيادتها علينا وعلى غيرنا دون الحاجة إلى تجييش الجيوش وإطلاق الصواريخ من قبل تلك الدول. فأحيانا يكون قصف العقول أنجع وأقل تكلفة من تدمير البلدان واحتلالها. (راجع هذا التقرير عن مفهوم القوة الناعمة وراجع الصفحات رقم ٦٤ و ٦٥ و ٦٦ للتعرف باختصار على دور اللغة الإنجليزية كقوة ناعمة في الدول العربية).
وقد يحتار القاريء هنا متسائلا: هل يعني ما ذكرته أعلاه أن مجرد تعلمي للغة كالإنجليزية سوف يغير من مفاهيمي ويجعلني تابعا لماما أمريكا؟
الإجابة تكمن في إدراك أن الأعمال بالنيات، فمن كان يريد تعلم لغة قوم ليأمن مكرهم كان له ما أراد حتى وإن كان حديث "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" لا أصل له. ومن كان ينوي تعلم لغة قوم ليضر بها قومه بصورة مباشرة أو غير مباشرة وليغوص في وحل العمالة حصل على مراده. ومن تعلم لغة قوم طلبا لعلم نافع لديهم فلا تثريب عليه. ومن تعلم لغة قوم رغبة في الهجرة إلى بلادهم فهجرته إلى ما هاجر إليه. ومن تعلم لغة قوم ليستعلي بها على قومه ويوهم ذاته بتقدمه وتحضره كان له من التمايز والتقدم الزائفين ما أراد.
والخلاصة أن السؤال الذي عنونت به هذا المقال يحتمل أكثر من إجابة حسب مراد كل منا. ولذا فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو: ماذا جنينا من وراء تعلمنا للغات الآخرين؟ هل أمنا مكرهم؟ أم أن قوتهم الناعمة تدمرنا من حيث لا ندري؟
فكر مليا عزيزي القاريء قبل الإجابة.