الأحد، 25 أكتوبر 2009

حلول كارثية

في عام ٢٠٠٤ كتب الصحفي الكويتي أحمد البغدادي مقالا في جريدة السياسة بعنوان "أما لهذا التخلف من نهاية؟". وفي المقال، كما ترون في الأسفل، ينتقد البغدادي سعي وزارة التربية الكويتية إلى زيادة حصص التربية الإسلامية والقرآن والتجويد على حساب بعض المواد الأخرى كالموسيقى والنشاط، وذلك في المدارس الخاصة ذات المناهج العربية والأجنبية.



وبعد نشر المقال تعرض البغدادي لحملة قوية واجه خلالها سيلا عارما من الانتقادات. وقد أفضت تلك الحملة إلى تعرضه للمحاكمة بتهمة ازدراء الدين، وحكم عليه بالسجن الذي خرج منه بعفو أميري. ولقد كان الهجوم الذي تعرض البغدادي في مجمله سطحيا لم يتطرق إلا إلى مسألة تفضيل البغدادي للموسيقى على القرآن والتجويد وللغات الأجنبية على اللغة العربية.

ولكننا إذا نظرنا بعين الناقد المتعمق إلى ما كتبه البغدادي من أفكار يرددها ويقتنع بها في كثير من الأحيان عدد لا يستهان به من الكتاب والمثقفين والعامة لوجدنا التالي:

١- يعتقد البغدادي والكثيرون غيره أن دروس التربية الإسلامية واللغة العربية مجرد أداة لإبقاء النشء داخل حظيرة الدين الإسلامي، وتلك نظرة قاصرة. فالإسلام كما هو دين غالبية العرب فإنه جزء أصيل من ثقافتهم التي ساهم في تشكيلها على مدى قرون طويلة. وعليه فإن أحد أهداف ما يسميه البغدادي تخلفا هو محاولة لربط طلاب المدارس الأهلية، وخصوصا ممن يدرسون في المدارس ذات المناهج الأجنبية، بمجتمعهم وواقعهم وثقافتهم وليس الهدف منه تخريج أئمة أو مقرئين في سرادق الموتى بالضرورة.

٢- إن القاريء لمقال البغدادي لا يسعه إلا أن يستنتج أنه يدعو للهروب من المشاكل بدلا من مواجهتها وحلها أو على الأقل التنبيه إليها. وهذا الهروب من المشاكل عادة سيئة فينا. وقد نعذر بعض المستضعفين ومن لاحيلة لهم إن هم خافوا من مواجهة المشاكل. أما البغدادي فهو بالإضافة إلى كونه صحفيا فإنه كان محاضرا في جامعة الكويت بقسم العلوم السياسية. فإذا كانت المدارس الحكومية فاشلة ومناهجها متخلفة، وقد تكون كذلك بالفعل، فإن الأحرى بالبغدادي أن يسهم في إصلاح الخلل الموجود بها بدلا من الهروب منها على طريقة الخلاص الفردي، وذلك لأن هامش المقاومة والنقد لديه ولدى أقرانه من صفوة المجتمع أكبر من القدرة على مجابهة المشاكل التي تتوفر لباقي أفراد الشعب.

٣- إذا سلمنا أن البغدادي والمدافعين عن التعليم الأجنبي أحرار في اختياراتهم على طريقة لكم دينكم ولي دين، فإننا لا يمكن أن نسلم أن تلك الفئة المتغربة ليس لها تأثير على المجتمع، شئنا أم أبينا، فالكل يعيشون في وطن واحد بحيث يصبح تأثر الأفراد بعضهم ببعض أمرا يكاد يكون حتميا. ووجود طبقة ليس لديها انتماء كاف إلى المجتمع الذي تعيش فيه، وإن كان متخلفا، يخلق لها ولباقي أفراد المجتمع مشاكل عديدة تتجاوز الجوانب الاجتماعية والثقافية إلى الجوانب الاقتصادية وحتى الأمنية، خصوصا أن تلك الفئة عادة ما تكون من النخبة، والنخبة لها من الأثر العظيم على المجتمع ما لا يمكن إغفاله. وهذا الانفصام يؤدي إلى ظهور نوع من الطبقية التي يصعب محاربتها بسبب تجذر بعض القيم الأجنبية في نفوس العديد من أفراد النخبة منذ الصغر.

والخلاصة أن مشكلة تخلف التعليم لدينا التي ذكرها البغدادي أمر يصعب إنكاره، ولكن محاولة حلها على الطريقة البغدادية يؤدي إلى مشاكل أخرى قد لا تظهر آثارها، التي قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، على المجتمع إلا بعد سنين عديدة. عندها تكون عقول أبناء النخبة قد صارت في واد محاط بالورود المستوردة و عقول باقي أفراد الشعب في واد آخر. وعندها سيعرف دعاة الانسلاخ أهمية أن يعيش المرء واقعه بحلوه ومره بدلا من استيراد الحلول الكارثية.

هناك 4 تعليقات:

حسن مدني يقول...

إن آثار العلاج على طريقة البغدادي، نرى آثارها في النشأ المصري، وفي طلبة المدارس الأجنبية في البحرين وفي غيرها..
فترى الطالب لا يعرف شيئا من لغته أبويه، ويعجز عن قراءة آية من كتاب الله، دعك من محاولة فهمها..
جيلاً تراه يستحسن ما يستحسنه الغرب، ويبغض ما يبغضه الغرب. على كل المستويات، الفن والأخلاق والسلوك والملابس والطعام وما شئت أن تعد..

تحياتي

محمد إدريس يقول...

صدقت أخي حسن، هذا البلاء أصاب العديد من العرب وغيرهم ممن لا يرون أمامهم حلا سوى ماما أمريكا. ونحمد الله أن الظروف الآقتصادية في أغلب الدول العربية لا تسمح لعموم الناس بإرسال أولادهم إلى المدارس الأجنبية، وإن كان هذا لا يمنع أن يدخل التغريب من أبواب أخرى غير التعليم.

ولذا فأنه لا بديل عن التوعية والتخطيط الاستراتيجي والأخذ بأسباب القوة.

مع جزيل الشكر

abdelsalam يقول...

مقال جيد ورأى ثاقب..وشكرا علي زيارة إحدى مدوناتي.

محمد إدريس يقول...

عفوا أخي عبد السلام وشكرا لك على قراءتك للمقال.

دمت بخير