في عام ٢٠٠٨ نشرت صحيفة فلت الألمانية خبرا عن إسلام هنرك برودر، وهو صحفي ألماني عرف بعدائه الشديد للإسلام وكتاباته التي يهاجم فيها المسلمين وعقيدتهم هجوما عنيفا. وقد تلقف بعض العرب خبر إسلام الرجل ونشروه على نطاق واسع لدرجة أنك إن كتبت كلمة "هنرك" على محرك البحث قوقل ظهر لك باقي الإسم تلقائيا.
ولكن الغريب في الأمر أن من يتابع كتابات الرجل حتى اليوم يجدها لا تزال تعج بالهجمات العدائية على المسلمين، حيث أنه نشر قبل فترة مقالا ينتقد فيه وزير الخارجية الألماني اللوطي لأنه قال أنه لن يصطحب معه شريك حياته في رحلاته إلى الدول التي ترفض اللواط وتجرمه لأن ذلك تصرف غير حكيم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يصدر كلام كهذا عن صحفي مسلم سمى نفسه هنرك محمد برودر؟
الحقيقة أن برودر لم يسلم ولا يحزنون، وإنما ورد خبر إسلامه في قسم المقالات الساخرة في صحيفة فلت الألمانية، وكان المقال مليئا بالتهكم والاستهزاء بالإسلام والمسلمين. ولكن تبعيتنا للغرب وانبهارنا به جعلتنا نفرح ذلك الفرح الطفولي الذي نبديه كلما أسلم غربي أو قال كلمة مدح في حق ديننا، حتى وإن كانت تنم عن سخرية وازدراء لا نلاحظها بسبب التبعية التي تعمي البصر والبصائر.
وإن كان ما قام به هنرك برودر من سخرية بالإسلام بالتظاهر بمدحه حالة معزولة لا تتكرر كثيرا، إلا أن هناك مشكلة أخرى نابعة من التبعية للغرب، وهي الاستئناس بما قاله الغربيون عن الإسلام وعظمته وسماحته وما إلى ذلك من مديح يكيلونه لديننا الحنيف. والمشكلة هنا أن غالبية هؤلاء المادحين للإسلام يمدحونه إما بناء على منهج مادي بحت أو رغبة في تغليب أحد جوانب الإسلام على غيره خدمة لمصالحهم. وللتفصيل في ذلك نورد النقطتين التاليتين:
١- في عام ١٩٧٨ أصدر أحد الكتاب الأمريكيين وإسمه مايكل هارت كتابا ذاع صيته نقله إلى العربية أنيس منصور بعنوان الخالدون المائة، وضع فيه الكاتب قائمة بأعظم مائة شخصية في التاريخ من حيث التأثير. وكانت المفاجأة أن الكاتب رغم كونه أمريكيا يهوديا وضع الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس القائمة.
وما إن شاع خبر الكتاب وصدرت ترجمته حتى هلل الكثير من العرب والمسلمين وفرحوا وما زالوا يفرحون فرح السذج، وكأننا قبل صدور الكتاب لم نكن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين.
وقد يرى البعض أنه ليس هناك غضاضة في أن نستأنس بالكتاب طالما أن الكاتب وصل إلى نتيجة توافق عقيدتنا وإيماننا. وطالما أن مكانة نبينا محفوظة وأن الكاتب رغم كونه كافرا قدمه على غيره من البشر فلا داعي للاعتراض ووضع العقدة في المنشار.
ولكننا إن أمعنا النظر في الكتب وفي فكر الكاتب وتركنا النظرة السطحية جانبا لوجدنا الآتي:
أولا، بالرغم من أن الكاتب وضع نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على رأس قائمته، إلا أنه وضع نبي الله عيسى عليه السلام في المركز الثالث مقدما عليه العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن، كما أنه وضع موسى عليه السلام في المركز السادس عشر مقدما عليه شخصيات مثل بوذا وتسي لُن وكولمبس وأينشتاين وماركس وأرسطو ولينين. فكيف لنا أن نقبل بهذا الترتيب؟ ألا يناقض هذا الترتيب ديننا الحنيف الذي يعلمنا أن الأنبياء والمرسلين هم خير البشر؟ كيف نحتفل بكتاب يضع ثلاثة من أولي العزم من الرسل في قائمة واحدة مع رؤوس للشيوعية كماركس وستالين ومع ملك التتار جنكيز خان ومع دارون منكر خلق آدم وحواء ومع نابليون غازي مصر ومع الملكة إيزابلا التي حاربت المسلمين مع زوجها حتى قضيا على حكمهم في الأندلس؟
ثانيا وهو الأهم، أنه من الواضح أن المعايير التي رتب على أساسها مايكل هارت الشخصيات المائة معايير مادية جدا، فهو يتبع المنهج المادي في تفسير التاريخ الذي لا يعطي أولوية للجوانب الروحية والمعنوية. والدليل على ذلك أننا نجد أن قائمة الكاتب اشتملت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه دون أبي بكر رضي الله عنه، وذلك لأن عهد الفاروق شهد العديد من الفتوحات لمساحات شاسعة من الأراضي.
ثالثا، مما يدل على فساد عقيدة مايكل هالات ومادية تفكيره أنه أصدر عام ١٩٩٩ كتابا بعنوان "نظرة إلى العالم عام ٣٠٠٠" لا أعتقد أنه ترجم إلى العربية، وفي هذا الكتاب وضع مايكل هارت قائمة جديدة لأكثر الشخصيات تأثيرا على حياة البشر عام ٣٠٠٠، وجاء ترتيب الرسول صلى الله عليه وسلم في المركز التاسع مسبوقا بشخصيات حقيقية وتخيلية لها إسهامات في الرياضيات والفيزياء والطب وغير ذلك، وجاء عيسى عليه السلام في المركز الثامن لاعتقاد هارت أن المسيحية سوف تؤثر على الإسلام في المستقبل رغم أن الدين عامة لن يكون له ذلك الحضور الكبير أصلا في ذلك الزمان حسب رأيه. وهذا كله يعني أنه لا ثبات في أهمية الشخص بالنسبة لهارت، فإن كان نبينا عليه الصلاة والسلام مهما في الماضي وفي الحاضر، فإن أهميته سوف تقل في المستقبل. وهذا عكس ما نؤمن به نحن المسلمون، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين طال الزمان أو قصر، فكيف نستأنس بكلام شخص لا يؤمن بذلك؟
ولذا فإنه يجب التحذير من خطورة كتاب مايكل هارت والكتب والكتابات التي على شاكلته على عقيدتنا، ولا ينبغي إطلاقا أن نردد الكلام الوارد في تلك الكتب، ولا أن نفرح بما يظنه البعض انتصارا للإسلام وإنصافا لرسالته، وذلك لأن المادية في التعاطي مع التاريخ وتفسيره لا توافق عقيدة المسلم أبدا حتى وإن وصلت أحيانا إلى ذات النتائج، والأعمال بالنيات. (للاستزادة يمكن للقارئ الرجوع إلى فصل المدرسة التاريخية من كتاب الأستاذ غازي التوبة الفكر الإسلامي المعاصر وإلى رأي الشيخ سفر الحوالي في إطلاق لفظة عبقري على النبي صلى الله عليه وسلم).
٢- هناك فخ آخر يجب أن نحذره، ألا وهو مدح الغربيين للإسلام بهدف تغليب أحد جوانبه على الجوانب الأخرى خدمة للغرب ومصالحه.
ومثال ذلك ما يقوله الكثير من الغربيين قادة ومنظرين أن الإسلام دين السلام والتسامح، حيث يكررون هم وأزلامهم تلك المقولة في العديد من المناسبات، ومن ثم يتلقفها بعض المغفلين وبعض من علقت أفئدتهم بالغرب فيرددونها كالببغاوات دون النظر إلى الهدف من فرضها علينا ودون التفكر في مقصودها وعواقبها.
وليس لأحد منا أن ينكر أن الإسلام دين التسامح والسلام، ولكن الهدف من تكرار ذلك هو قصر الإسلام على هذين العنصرين دون غيرهما، بحيث يصبح ديننا الحنيف دينا ينبذ الجهاد ومقاومة الأعداء والمحتلين ودفع الظلم والطغيان والفساد.
وبمعنى آخر فإن الهدف من فرض مقولة أن الإسلام دين السلام والتسامح هو جعل الإسلام دين استسلام واستكانة وخنوع وخضوع للأعداء، بحيث يفقد طابعه الشمولي ويقتصر على المكونات التي تناسب الغرب وغاياته.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف تقوم أمريكا زعيمة الغرب بتشجيع الإسلام الذي يسمونه بالمعتدل، أي الإسلام الخانع، والذي لا يمت للإسلام الحقيقي بصلة، وذلك بناء على خطط وتوصيات مفكرين ومؤسسات غربية مثل مؤسسة رند الأمريكية التي أوصت في تقريرها لعام ٢٠٠٧ بدعم ذلك النوع من الإسلام.
وقبل مدة نشر الصحفي المصري فهمي هويدي مقالا في صحيفة الشروق المصرية بعنوان "تنسيق (روحي) مع أمريكا"، ذكر فيه أن مندوبا من السفارة الأمريكية بالقاهرة اجتمع مع ١٦ شيخا من شيوخ الطرق الصوفية في مصر وذلك بحضور ممثل لمباحث أمن الدولة المصرية، وكان الهدف من الاجتماع بالطبع دعم الحركات الصوفية في مصر كونها لا تتدخل في السياسة. كما هدف الاجتماع إلى البحث في سبل نشر الفكر الصوفي المنسحب من غمار الحياة بين مسلمي أمريكا. وهذا دليل واضح على أن الغرب ماض قدما في تنفيذ خططه المتعلقة بفرض إسلام السلام والتسامح علينا.
ومن آثار تكرار مقولة أن الإسلام دين التسامح والسلام أيضا أن بعضنا صار وللأسف يخجل من دين الله وأحكامه ويصف مقاومة الغزاة والمحتلين بأنها عنف يجب التخلي عنه، كما أصبح هناك من يستكثر علينا حتى الدعاء على الكفار لأن السادة الغربيين يرون أن في ذلك حض على الكراهية، لا بل صار البعض يقول أننا لا ينبغي أن نطلق عليهم كفارا أصلا.
كل هذا بسبب مقولة يرددها القادة الغربيون والمطبلون لهم مفادها أن الإسلام دين السلام والتسامح، وما هي إلا كلمة حق مجتزء أرادوا بها تدجين ديننا وتطويعه لصالحهم.
خاتمة
في وقت تعلقت فيه أفئدة الكثيرين بالغرب وصارت العيون للأسف تنظر بإجلال وانبهار لكل ما هو آت من الغربيين حتى وصل الحال بنا أن نستأنس بأقولهم لنثبت عظمة ديننا، علينا أن نلتزم ببعض الضوابط التي تحدد لنا متى يمكن أن نستشهد بأقوال الغربيين والكفار عامة.
ومن أهم هذه الضوابط ألا نلقي بالا لمن قال كلمة حق في ديننا، وذلك لأن الإيمان بالله لا يمكن أن يتأتى من عند الكفرة المعادين للإسلام، ولأن الكافر إذا شهد بعظمة الإسلام فإنه في أغلب الأحيان يفعل ذلك إما عن سوء نية أو بناء على منهج يخالف الإسلام.
ولا بأس أن نستشهد بكتابات الغربيين إذا كان الأمر يتعلق بعلم نافع أو من أجل كشف مخططاتهم والتحذير منها، فهذا مطلوب، شريطة أن نبذل مجهودا لمحاولة التثبت من صدق المعلومات الواردة إلينا منهم.
أما أن نقول أن الحق ما شهد به الأعداء ونتبع ذلك بقائمة طويلة بأقوال من يسمون بالمنصفين للإسلام، فلا، لا لاستيراد الإيمان، وإن لم يكن مقصودا، وخصوصا في عصرنا هذا، لأن النيات إن ساءت والمادية إن سادت شاع قول الحق الذي يؤدي إلى الباطل. فحذار، حذار من الاستئناس بآراء هؤلاء المنصفين المزعومين لديننا والإكثار من ذلك حتى يأتي يوم يتسلل فيه إلى عقولنا اعتقاد بأن عظمة الإسلام لا يمكن إدراكها دون شهادة حفنة من الكفرة.
ولكن الغريب في الأمر أن من يتابع كتابات الرجل حتى اليوم يجدها لا تزال تعج بالهجمات العدائية على المسلمين، حيث أنه نشر قبل فترة مقالا ينتقد فيه وزير الخارجية الألماني اللوطي لأنه قال أنه لن يصطحب معه شريك حياته في رحلاته إلى الدول التي ترفض اللواط وتجرمه لأن ذلك تصرف غير حكيم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يصدر كلام كهذا عن صحفي مسلم سمى نفسه هنرك محمد برودر؟
الحقيقة أن برودر لم يسلم ولا يحزنون، وإنما ورد خبر إسلامه في قسم المقالات الساخرة في صحيفة فلت الألمانية، وكان المقال مليئا بالتهكم والاستهزاء بالإسلام والمسلمين. ولكن تبعيتنا للغرب وانبهارنا به جعلتنا نفرح ذلك الفرح الطفولي الذي نبديه كلما أسلم غربي أو قال كلمة مدح في حق ديننا، حتى وإن كانت تنم عن سخرية وازدراء لا نلاحظها بسبب التبعية التي تعمي البصر والبصائر.
وإن كان ما قام به هنرك برودر من سخرية بالإسلام بالتظاهر بمدحه حالة معزولة لا تتكرر كثيرا، إلا أن هناك مشكلة أخرى نابعة من التبعية للغرب، وهي الاستئناس بما قاله الغربيون عن الإسلام وعظمته وسماحته وما إلى ذلك من مديح يكيلونه لديننا الحنيف. والمشكلة هنا أن غالبية هؤلاء المادحين للإسلام يمدحونه إما بناء على منهج مادي بحت أو رغبة في تغليب أحد جوانب الإسلام على غيره خدمة لمصالحهم. وللتفصيل في ذلك نورد النقطتين التاليتين:
١- في عام ١٩٧٨ أصدر أحد الكتاب الأمريكيين وإسمه مايكل هارت كتابا ذاع صيته نقله إلى العربية أنيس منصور بعنوان الخالدون المائة، وضع فيه الكاتب قائمة بأعظم مائة شخصية في التاريخ من حيث التأثير. وكانت المفاجأة أن الكاتب رغم كونه أمريكيا يهوديا وضع الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس القائمة.
وما إن شاع خبر الكتاب وصدرت ترجمته حتى هلل الكثير من العرب والمسلمين وفرحوا وما زالوا يفرحون فرح السذج، وكأننا قبل صدور الكتاب لم نكن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين.
وقد يرى البعض أنه ليس هناك غضاضة في أن نستأنس بالكتاب طالما أن الكاتب وصل إلى نتيجة توافق عقيدتنا وإيماننا. وطالما أن مكانة نبينا محفوظة وأن الكاتب رغم كونه كافرا قدمه على غيره من البشر فلا داعي للاعتراض ووضع العقدة في المنشار.
ولكننا إن أمعنا النظر في الكتب وفي فكر الكاتب وتركنا النظرة السطحية جانبا لوجدنا الآتي:
أولا، بالرغم من أن الكاتب وضع نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على رأس قائمته، إلا أنه وضع نبي الله عيسى عليه السلام في المركز الثالث مقدما عليه العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن، كما أنه وضع موسى عليه السلام في المركز السادس عشر مقدما عليه شخصيات مثل بوذا وتسي لُن وكولمبس وأينشتاين وماركس وأرسطو ولينين. فكيف لنا أن نقبل بهذا الترتيب؟ ألا يناقض هذا الترتيب ديننا الحنيف الذي يعلمنا أن الأنبياء والمرسلين هم خير البشر؟ كيف نحتفل بكتاب يضع ثلاثة من أولي العزم من الرسل في قائمة واحدة مع رؤوس للشيوعية كماركس وستالين ومع ملك التتار جنكيز خان ومع دارون منكر خلق آدم وحواء ومع نابليون غازي مصر ومع الملكة إيزابلا التي حاربت المسلمين مع زوجها حتى قضيا على حكمهم في الأندلس؟
ثانيا وهو الأهم، أنه من الواضح أن المعايير التي رتب على أساسها مايكل هارت الشخصيات المائة معايير مادية جدا، فهو يتبع المنهج المادي في تفسير التاريخ الذي لا يعطي أولوية للجوانب الروحية والمعنوية. والدليل على ذلك أننا نجد أن قائمة الكاتب اشتملت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه دون أبي بكر رضي الله عنه، وذلك لأن عهد الفاروق شهد العديد من الفتوحات لمساحات شاسعة من الأراضي.
ثالثا، مما يدل على فساد عقيدة مايكل هالات ومادية تفكيره أنه أصدر عام ١٩٩٩ كتابا بعنوان "نظرة إلى العالم عام ٣٠٠٠" لا أعتقد أنه ترجم إلى العربية، وفي هذا الكتاب وضع مايكل هارت قائمة جديدة لأكثر الشخصيات تأثيرا على حياة البشر عام ٣٠٠٠، وجاء ترتيب الرسول صلى الله عليه وسلم في المركز التاسع مسبوقا بشخصيات حقيقية وتخيلية لها إسهامات في الرياضيات والفيزياء والطب وغير ذلك، وجاء عيسى عليه السلام في المركز الثامن لاعتقاد هارت أن المسيحية سوف تؤثر على الإسلام في المستقبل رغم أن الدين عامة لن يكون له ذلك الحضور الكبير أصلا في ذلك الزمان حسب رأيه. وهذا كله يعني أنه لا ثبات في أهمية الشخص بالنسبة لهارت، فإن كان نبينا عليه الصلاة والسلام مهما في الماضي وفي الحاضر، فإن أهميته سوف تقل في المستقبل. وهذا عكس ما نؤمن به نحن المسلمون، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين طال الزمان أو قصر، فكيف نستأنس بكلام شخص لا يؤمن بذلك؟
ولذا فإنه يجب التحذير من خطورة كتاب مايكل هارت والكتب والكتابات التي على شاكلته على عقيدتنا، ولا ينبغي إطلاقا أن نردد الكلام الوارد في تلك الكتب، ولا أن نفرح بما يظنه البعض انتصارا للإسلام وإنصافا لرسالته، وذلك لأن المادية في التعاطي مع التاريخ وتفسيره لا توافق عقيدة المسلم أبدا حتى وإن وصلت أحيانا إلى ذات النتائج، والأعمال بالنيات. (للاستزادة يمكن للقارئ الرجوع إلى فصل المدرسة التاريخية من كتاب الأستاذ غازي التوبة الفكر الإسلامي المعاصر وإلى رأي الشيخ سفر الحوالي في إطلاق لفظة عبقري على النبي صلى الله عليه وسلم).
٢- هناك فخ آخر يجب أن نحذره، ألا وهو مدح الغربيين للإسلام بهدف تغليب أحد جوانبه على الجوانب الأخرى خدمة للغرب ومصالحه.
ومثال ذلك ما يقوله الكثير من الغربيين قادة ومنظرين أن الإسلام دين السلام والتسامح، حيث يكررون هم وأزلامهم تلك المقولة في العديد من المناسبات، ومن ثم يتلقفها بعض المغفلين وبعض من علقت أفئدتهم بالغرب فيرددونها كالببغاوات دون النظر إلى الهدف من فرضها علينا ودون التفكر في مقصودها وعواقبها.
وليس لأحد منا أن ينكر أن الإسلام دين التسامح والسلام، ولكن الهدف من تكرار ذلك هو قصر الإسلام على هذين العنصرين دون غيرهما، بحيث يصبح ديننا الحنيف دينا ينبذ الجهاد ومقاومة الأعداء والمحتلين ودفع الظلم والطغيان والفساد.
وبمعنى آخر فإن الهدف من فرض مقولة أن الإسلام دين السلام والتسامح هو جعل الإسلام دين استسلام واستكانة وخنوع وخضوع للأعداء، بحيث يفقد طابعه الشمولي ويقتصر على المكونات التي تناسب الغرب وغاياته.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف تقوم أمريكا زعيمة الغرب بتشجيع الإسلام الذي يسمونه بالمعتدل، أي الإسلام الخانع، والذي لا يمت للإسلام الحقيقي بصلة، وذلك بناء على خطط وتوصيات مفكرين ومؤسسات غربية مثل مؤسسة رند الأمريكية التي أوصت في تقريرها لعام ٢٠٠٧ بدعم ذلك النوع من الإسلام.
وقبل مدة نشر الصحفي المصري فهمي هويدي مقالا في صحيفة الشروق المصرية بعنوان "تنسيق (روحي) مع أمريكا"، ذكر فيه أن مندوبا من السفارة الأمريكية بالقاهرة اجتمع مع ١٦ شيخا من شيوخ الطرق الصوفية في مصر وذلك بحضور ممثل لمباحث أمن الدولة المصرية، وكان الهدف من الاجتماع بالطبع دعم الحركات الصوفية في مصر كونها لا تتدخل في السياسة. كما هدف الاجتماع إلى البحث في سبل نشر الفكر الصوفي المنسحب من غمار الحياة بين مسلمي أمريكا. وهذا دليل واضح على أن الغرب ماض قدما في تنفيذ خططه المتعلقة بفرض إسلام السلام والتسامح علينا.
ومن آثار تكرار مقولة أن الإسلام دين التسامح والسلام أيضا أن بعضنا صار وللأسف يخجل من دين الله وأحكامه ويصف مقاومة الغزاة والمحتلين بأنها عنف يجب التخلي عنه، كما أصبح هناك من يستكثر علينا حتى الدعاء على الكفار لأن السادة الغربيين يرون أن في ذلك حض على الكراهية، لا بل صار البعض يقول أننا لا ينبغي أن نطلق عليهم كفارا أصلا.
كل هذا بسبب مقولة يرددها القادة الغربيون والمطبلون لهم مفادها أن الإسلام دين السلام والتسامح، وما هي إلا كلمة حق مجتزء أرادوا بها تدجين ديننا وتطويعه لصالحهم.
خاتمة
في وقت تعلقت فيه أفئدة الكثيرين بالغرب وصارت العيون للأسف تنظر بإجلال وانبهار لكل ما هو آت من الغربيين حتى وصل الحال بنا أن نستأنس بأقولهم لنثبت عظمة ديننا، علينا أن نلتزم ببعض الضوابط التي تحدد لنا متى يمكن أن نستشهد بأقوال الغربيين والكفار عامة.
ومن أهم هذه الضوابط ألا نلقي بالا لمن قال كلمة حق في ديننا، وذلك لأن الإيمان بالله لا يمكن أن يتأتى من عند الكفرة المعادين للإسلام، ولأن الكافر إذا شهد بعظمة الإسلام فإنه في أغلب الأحيان يفعل ذلك إما عن سوء نية أو بناء على منهج يخالف الإسلام.
ولا بأس أن نستشهد بكتابات الغربيين إذا كان الأمر يتعلق بعلم نافع أو من أجل كشف مخططاتهم والتحذير منها، فهذا مطلوب، شريطة أن نبذل مجهودا لمحاولة التثبت من صدق المعلومات الواردة إلينا منهم.
أما أن نقول أن الحق ما شهد به الأعداء ونتبع ذلك بقائمة طويلة بأقوال من يسمون بالمنصفين للإسلام، فلا، لا لاستيراد الإيمان، وإن لم يكن مقصودا، وخصوصا في عصرنا هذا، لأن النيات إن ساءت والمادية إن سادت شاع قول الحق الذي يؤدي إلى الباطل. فحذار، حذار من الاستئناس بآراء هؤلاء المنصفين المزعومين لديننا والإكثار من ذلك حتى يأتي يوم يتسلل فيه إلى عقولنا اعتقاد بأن عظمة الإسلام لا يمكن إدراكها دون شهادة حفنة من الكفرة.